TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > حرف علّة:بغداد في رواية بريطانية

حرف علّة:بغداد في رواية بريطانية

نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:46 م

 عواد ناصر لم تقفل البريطانية أغاثي كريستي باب الرواية البوليسية وراءها، بل تركته مفتوحاً لمن سيأتي من بعدها، وهم كثيرون، آثروا هذا النوع المثير من السرد، بخلاف روايتنا العربية التي أدارت ظهرها للبوليسيات وانشغلت بحكايات الحروب والسياسة، موضوعات أثقلتها سنين عدداً.
أندرو ويلسون (عملية بغداد) الصادرة أخيراً، في بريطانيا، تدور في بداية القرن العشرين، حيث الصراع البريطاني – الألماني على أشده لاحتلال بلاد ما بين النهرين (العراق) وهل هناك من وسيلة سوى السكك الحديد للتوغل في تلك المنطقة النائية الغنية بالبترول؟ تأتي هذه الرواية ضمن السلسلة التي كتبها ويلسون عن المخبر (جيم سترينغر) العامل في سكة الحديد والذي تبدأ مغامراته مع بداية القرن العشرين، لتصبح مثالاً ناجحاً للعديد من كتاب الروايات البوليسية. جيم سترينغر في الأصل رجل إطفاء، سكير، يعيش حياة زوجية مضطربة، يترك عمله ليصبح مخبراً لشركة السكك الحديد في مدينة يورك.  ولا يقتصر نشاطه عل اكتشاف المتهربين من دفع ثمن التذاكر بل شغفه اكتشاف سر العديد من جرائم القتل.  ويكمن جمال الروايات المتعاقبة عن المخبر جيم سترينغر في انها تقدم دراسة تاريخية لتطور السكك الحديد في بريطانيا، والحياة في مطلع القرن الماضي في مقاطعة يوركشاير، اضافة لحبكتها التي تشد القارئ.الرواية الأخيرة تبتعد في احداثها عن شمال انكلترا وتذهب إلى بلاد ما بين النهرين "ميسوبوتاميا" العراق.  إذ تتحدث عن خط برلين - بغداد الذي كان الألمان ينون بناءه في مطلع القرن.  بعد انتهاء عصر الفحم كوقود للقطارات والسفن والتحول إلى النفط تغير تاريخ العالم، وأصبحت الدول المنتجة للنفط محط أطماع الدول القوية. ألمانيا كانت تطمع في حقول البصرة، لذلك بدأت مخططاً لبناء خط سكة حديد يمتد من أوربا إلى تركيا فسوريا عبر الفرات ثم العراق وصولاً إلى البصرة، من دون أن يتخلى الألمان عن حلمهم الأبعد في تحقيق مخططهم ذاك وصولاً إلى الهند أيضاً، وهذا ما أثار قلق بريطانيا وكان بلا شك من أسباب قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914.تبدأ أحداث الرواية عام 1917 والحرب على أشدها وبطلنا سترينغر، جريح على الجبهة الغربية وقد تمت ترقيته إلى رتبة ضابط، يذهب لحضور اجتماع لنادي السكك الحديد في لندن، ويكلف من قبل المخابرات البريطانية بالذهاب إلى العراق للتحري عن ضابط تركي يعمل في العراق لمعرفة المزيد من التفاصيل عن خط برلين - بغداد. تبدأ مغامرات التجسس في بغداد في زمن الحرب والصراع الدائر بين ألمانيا وبريطانيا للسيطرة على منابع النفط. ومع تطور الأحداث تنتهي الحرب وتبدأ المخاوف من ثورة عربية ضد الوجود البريطاني في الشرق الأوسط.. وهنا تتعقد الرواية وتنتهي بنصف حل يرضي القارئ ولكنه لا يجيب عن كل تساؤلاته.تقول آن ويلسون في قراءتها للرواية: رواية أندرو مارتين ليست مجرد رواية بوليسية مليئة بالأحاجي والمفاجئات بل فيها الكثير من الروح الأدبية المشوقة.  إذ يصف بغداد قائلاً: "إنها مدينة بدأت تأتي وتغدو مع تموجات نهرها ونخيلها، مع قبابها ومآذنها المدببة التي ترتفع في سمائها". كما أن الشخصيات فيها من النضج والتعقيد ما يجعلها شخصيات روائية بامتياز في أتراحها وأفراحها. كما يتناول مارتين بمهارة موضوعة الزواج بكل تقلباته ومتغيراته بجوانبه السلبية وأجوائه الحميمة وتفاصيل العلاقة الجنسية، مع امرأة متحررة تؤمن بحقوق المرأة وتطالب بها. فالبشر في الرواية لا يقلون أهمية عن خط السكك الحديد المتنازع عليه.الرواية، باعتمادها التاريخ البعيد لبلاد الرافدين، تفرد صفحات عديدة للجانب السوسيولوجي في حياة سكان المنطقة ولا تكتفي بالتقليد البوليسي: البحث عن القاتل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram