ياسين طه حافظ إن الاتجاهات الرمزية - الرومانسية شاعت في الشعر وجذبت الشعراء حتى عصرنا. وقد كانت تميل نحو الآراء السياسية المتطرفة، المحافظة أو الرجعية في الأغلب وليس التقدمية ذلك لان المواقف الرمزية - والرومانسية تستلزم ضمنا درجة عالية من العزلة او الاغتراب عن المجتمع. على اية حال، الافكار التقدمية لم تكن واضحة الا بعد 1917، ومع حركات النضال الشعبي والافكار الاشتراكية والتوتر الصعب والخطير مع الفاشية.
وادراكاً من الاستاذ "ارنولد كتل" Arnold Kettle لارتباط الشباب السياسيين من ابناء الطبقة الوسطى والذين كانت لهم نشاطات يسارية أشار إلى: ان الظرف كان يتطلب ان يكونوا سياسيين على نحو اكثر مما كانوا.وما يهمنا من هذا العرض او ذاك، هو ما يمكن ان نستنبط من سبل يمكن للكتاب والشعراء بواسطتها الارتباط باحتياجات زمنهم وصراعاته لا سيما زمن التحول من مجتمع برجوازي اساسا الى مجتمع اشتراكي او راغب في الاشتراكية. أو من خاضع للامبريالية إلى الاستقلال كيف يمكن لهذه الحركات الاستفادة من أفكار الكتاب وتجاربهم وهم يستخدمون اللغة استخداما ابداعياً ملاحظاتهم تنفذ الى جوانب خافية من الواقع. معنى هذا، كيف هي الاستفادة من الفن الادبي اجتماعياً؟ يرتبط هذا بحديثنا كيف تكون القصيدة السياسية او كيف تبقى فناً.المؤكد ان نفوذ السياسة وحضورها الشديد في عصرنا الحديث، كان بسبب حركات التحرر الوطني والنضال الشعبي من جهة والافكار المؤسساتية المضادة من جهة أخرى، وان عامل الحرب الباردة كان من القوة بحيث يجب على كل دارس أدبي أن يعيها منذ البداية وإلا فإن الفرصة ستكون ضعيفة للخروج بتقويم موضوعي. لكن هذا الحكم تخللته رجّات مخيّبة، ومواقف محبطة أو محيرة. اودن الثلاثيني البارز والماركسي (مبكراً)، يقول في قصيدته 1 أيلول 1939: أجلس في احدى الحانات الرخيصةففي الشارع 52 غير واثق وخائفاً بينما تتلاشى الامال الكبيرةلعقْدٍ من الزمان وضيع ومضلّل..ونعرف ان وراء هذه المواقف الشعور باللاجدوى وأخطاء اليسار والأخطاء والسخافات الشخصية. لكن هذا لا يعني ابداً أن الموقف ضد اليسار لم يكن مركزياً وموجهاً. خطأ اعتباره مثل تلك المواقف العابرة، الشخصية التي صحبته فهذه ضد الحال والواقع الشخصيين. ولعلي استطيع الركون إلى نقاط أساسية: تقع بين آمال اليسار البريطاني والهزيمة في اسبانيا وحملة التطهيرات في موسكو ومعاهدة عدم الاعتداء السوفيتية الألمانية 1939. هذه كلها استُخدِمت منطلقاً هجومياً لمدة طويلة من بعد وحتى اليوم مع تفرّعاتها الجديدة التي تفرزها السياسة المضادة ويعبّر عنها الأدب.هذه الأحكام او هذا التضليل، وصل حداً أن شاعراً بحجم اليوت يقول: "لو علمت بوجود بقّة مرفّهة جيدة في موسكو، لكان رأيي في الشيوعية أفضل مما هو عليه()".هنا كما ترى تختلط الأسباب الفكرية بالذاتية والطبقية، ولهذه نتائج، كما سيتضح لنا من بعد. ثمة أفكار عديدة متشابهة ومختلفة ظهرت في الثلاثينيات وبعدها. "ماكنيس" يقول: "ان القصيدة تتراجع عن كتابة الكماليات وتصبح أكثر عملية.." وهذا الكلام صدى لنداء "ماك دايرميد" في قصيدته "ترنيمة ثانية إلى لينين" ، اذ يقول: الشعر مثل السياسةيقطع الجلبة ويقطع الغاباتويوضح موقفه: بأن الشيء المهم هو وجود متعة فعّالة ذات أوجه عديدة لكلية الأشياء. أما أودن Auden الذي ضعف التزامه السياسي من بعد، فله تعبيره الخاص عن الحاجة نفسها. في قصيدته "رسالة إلى لورد بايرون": أريد شكلاً كبيراً استطيع أن أسبح فيهوأتحدث عن أي موضوع اختار، من المناظر الطبيعية إلى الرجال إلى الكنيسةوعن نفسي وعن الفن وإخبار أوربا..." من تلكم الافكار والاشتباكات الاسلوبية والعقائدية انبثقت الاتجاهات الرافضة الجديدة، والتي نأت عن او رفضت، الافكار السياسية الرئيسة لبرالية او ماركسية أو محافظة متمسكة بالكلاسك أشكالاً وأفكاراً. وبعد اتساع حركة التمرد الشبابية وقوة واتساع الحركة النسوية المرتبطة بقضية الحرية، وبسبب ذلك، بالسياسة.. الحركة الشبابية والحركة النسوية اليوم حركتان سياسيتان هي اقوى واهم أوجههما. ومما نجده اليوم في الكتابات الجديدة، سواء كان مقَنَّعاً أو ضمن ما نسميه عبثيات أو مشاكسات، هو رفض سياسي لواقع. يظهر هذا بصورة صعقات ضوئية، من تلك التي يطلقها شعراؤنا الشباب أو التي تطلقها شاعراتنا وكاتباتنا وهي بعض مما في العالم وتتصل بالحركة النسوية وحركات التمرد الشبابية. لا ارى صواباً أبداً النظر الى كتابات الشباب وتفسيرها بمعايير تقليدية او موروثة.اما ان في هذه الكتابات ما فيها من حيث البناء والتعبير، فأشعارنا كلنا لا تخلو من هذه المآخذ وسواها، ولكن الناس تهتم بالايجابي المضيء في الاعمال.من هذا المنطلق كان اهتمامي بالكتابات النسوية. فما كانت عبثاً كتابتي عن هذه الكاتبة او تلك الشاعرة، لستُ معنياً كثيراً بالأسماء، أنا اتابع بدايات الحركة النسوية عندنا وبذور التأسيس. واحاول الحاق توجعاتهن وعبارات التمرد والاحتجاج بالحركة النسوية في العالم.فقول مثل: انا النهر، كرهت عذوبتي للسيدة بلقيس خالد، واتعبني طينك ربي "للسيدة ايمان القحام يجب ان يُفهما بمعنى: "اتعبتني نسويتي" في هذا المجتمع الشرقي، التعامل مع نسويتي تعاملاً م
الشعر والسياسة
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:48 م