حميد عبد المجيد يصعب تتبع اشتغال الميديا في عروض المسرح، لأنها تداخلت منذ البدء ضمن نسيج السينوغرافيا، اقتبسها المسرح من تداولها في الحياة اليومية بوظيفتها الأساس توسيع مجالات المعرفة والمهارات والتنمية المستدامة. أفاد منها المسرح حرفياً، وكعنصر جمالي مفتوح له إسهاماته في تشكيل المشهد المسرحي السمعبصري والوجداني. وأرى أنها غدت تتبوأ مكانة راقية وبتواصل في مسرح الآن، ملتحقة بالتطور التكنولوجي الحديث، والاعتماد عليها لغرض الدخول في لغة العصر المهيمنة،
عصر الصورة، حيث التنظير المتواتر للصورة، وحسب مقترح أحد المتخصصين: إنه في البدء كانت الصورة، لأن كعلامات سبقت الكلمة: اللغة وإن الكتابة كانت كتابة صورية. كذلك الاستباق في منافسة الغزو المعلوماتي الفضائياتي للمنازل وللذاكرة، حيث تتهيأ أسرع وأرقى أنواع المشاهد للإنسان وهو في بيته وفي الأمكنة العامة، وحتى في خلوته الانفرادية. لفظة ميديا Media لغوياً تعني: الوسيط ، أو التوسطي والوساطي القائم بمهمة الواسطة.. اقتبسها الإعلام من مصادرها اللغوية ، واستخدمت كمصطلح يطلق على (وسائل اتصال جماهيرية) متداولة بنشاطية عالية في مجاله..أفادت الفنون منها في المجالين الوظيفي النفعي والجمالي. وبالغ الشكلانيون في استثمارها جمالياً، واعتدلت في استخدامها منهجيات أخرى ونبذها البعض في حقل المسرح، خاصة النوع الذي يعتمد لغة الجسد والتمثيل، ويعمد إلى إفقار باقي العناصر. وللتحديد فالميديا وسائل اتصال وتواصل، شغالة عموماً ضمن النسيج الدرامي. قسمها اختصاصيون إلى ثلاثة أنواع تبعاً ( لتنوعها التكنولوجي):النوع الأول:الميديا المطبوعة Printed Media وتشمل المطبوعات كالكتب والصحف والمجلات و.. يعود تاريخها إلى منتصف القرن الخامس عشر إلى مطبعة غوتنبر عام 1456 وما سبقها من مساهمات صينية عام 1014 ثم كورية عام 1241.النوع الثاني:الميديا الالكترونية Electronic Media وتشمل: المذياع والتلفاز وأجهزة التسجيل والهاتف بأنواعه. ويضيف بعض الخبراء لها: الشبكة العنكبوتية الدولية World Wide Web كانت بداية هذا النوع في نهاية القرن التاسع عشر.النوع الثالث:الميديا الفوتوغرافية : Photographic Media وتسمى أيضاً الكيميائية Chemical وتشمل أشرطة الأفلام السينمائية وتعود لعام 1888، عندما عرض توماس أديسون أول أفلامه القصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبعده بعامين قدم الإخوان لوميير أول عروضهما في باريس ثم قدم ماكس سكلا دانوفسكي أول عروضه في ألمانيا. إن المتخصص في فن المسرح وكذلك المشاهد والمتابع قد تكونت لديه قناعة أن استثمار تقانات الميديا أصبح عنصراً لا يستغنى عنه وأن الذاكرة ستتفاوض مع خزين معلوماتي لمنهجيات شهيرة ابتكرت أساليب وطرائق جمالية راقية في استثمار الميديا منها المسرح الملحمي، والعبث والتسجيلي والصورة، وسواها.أذكر بأمثلة عالمية وأخرى عراقية في السياق:في مسرحية برتولد بريخت الرائعة (دائرة الطباشير القوقازية) نرى ونسمع القاضي العجيب أزدك يطالب خادمه بأن ينزل كتب القانون من على ظهر حماره، ليضعها تحته كمنصة للجلوس، لأنه لا يستطيع أن يترافع بين الخصوم إلا إذا وضع مؤخرته على كتب القانون. لاحظ التوظيف التغريبي البارع للميديا المطبوعة (كتب القانون) المحمولة على ظهر حمار! المشهد منفتح للتأويل منها أنه يسخر من القانون ويقرأه ولكن (من تحت!) في الجانب النفعي أن المحكمة الجوالة بحاجة إلى الراحة، وإلى شيء مرتفع يميز القاضي عن الآخرين، كما يشكل منها المنبر podium في المسرح الملحمي، وهو منصة توظف لمحاكمة فكرة ما. في مسرحية (شريط كراب الأخير) لصاموئيل بيكت، يقتصر الحدث على (الإنصات) إلى (تسجيل) لمذكرات كراب. سُجّل قبل تسع وثلاثين عاماً. وظفت الميديا الالكترونية (شريط التسجيل) بالصورة الآتية: إن كراب المسنّ الآن بعيد عن (ذاته الشابة) ويمكن قراءة حالته النفسية بوصفها رفضاً لقبول (انحطاطه البدني والجنسي والعقلي) المسرحية طبقاً لألين ستون وجورج سافونا (مثال على تمثل مختزل كئيب للوضع الإنساني).
علامات مسرحية: الميديا
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:53 م