عمر فاروق محمد علي مسرحية : حكاية الرجل الذي صار كلباً تأليف الكاتب الجواتيمالي : اوزفالدو دراكون إخراج: خليل فاضل خليل تمثيل: إيمان ذياب، طه المشهداني، نظير جواد، فالح كريم قدمت في مهرجان قسم الفنون المسرحية للفترة من 20 – 24/5/2012
أول ما يثيرك فيها، عنوانها الذي يحمل تناقضا واضحا بين رجل، وكلب، بشر وحيوان . ولو كانت الحكاية ، حكاية الرجل الذي صار طبيبا أو أعمى أو ترابا ، لفقد العنوان هذه المفارقة وأصبح منطقيا وذلك لوجود علاقة بين الوصف والموصوف . إما رجل وكلب ، فانه يدعو إلى الترقب والانتظار لمعرفة المزيد . وهذه إشارة تحسب للمؤلف الذي استقى مفردته من الحياة . المفردة بسيطة ، رجل عاطل عن العمل ، تتاح له فرصة واحدة وهي أن يعمل بديلا عن ( كلب الحراسة ) الذي مات . مستخدما اللامألوف وغير الخاضع للتفكير في الواقع أصلا . هو لم يقدم حالة إنشائية ، إنما قدم حكاية . النص ، نص لا معقول وليس عبثا . لأن الفلسفة التي قادت إلى العمل هي ( الفلسفة الوجودية ) وحسب ( سارتر ) الذي يقول : " إن الإنسان لا يكون إنسانا إذا أصبح عبدا "!. بمعنى أنه لن يكون كائنا بشريا ، إنما شيء آخر ، سواء رجلا كان ام امرأة . وعليه اذن فالكاتب ذهب إلى ابعد من ذلك في جعل الرجل – كلبا . وكذلك في الفلسفة الماركسية عندما يذهب ( ماركس ) إلى القول : " لا توجد مثل ، ولا عقائد ، ولا قيم ، انما ( الاقتصاد ) هو الذي يحكم البشر " . وقد ظهر هذا جليا في الحكاية ، وفي الظروف التي دفعت بالرجل كي يصبح كلبا ، فهو عاطل عن العمل . وهكذا نرى بأن الفلسفة والفكرة كلاهما قادا العمل ، إلى تجسيد هذه الحكاية . إذن فإعادة الوصف بطريقة جديدة ومغايرة هي التي قادت الحكاية من خلال ، سرد الراوي ، وحوار الممثلين اللذين عالجا مشكلة جديدة ، ومعاصرة . تصاعد معها الفعل الدرامي عند الراوي ليتنامى مع المتلقي . الراوي الذي أخذ دور المنبه ، المستفز لعقلانية الجمهور . وكذلك إرادات الصراع المتخفية وغير الظاهرة ، بسبب أن البطل في المسرحية هي ( الحكاية ) . فالنص لا يمتلك الجاهزية الجمالية ، انما يطرح الفكرة ويتركها للعقل . في العرض : إن ما قدم ، إنما هو صورة حياتية بشكل مسرحي . حيث أن المخرج كان أمينا على إنسانية الفكرة التي طرحها المؤلف ، في تطبيق خطوات المسرحية الملحمية بكل تفاصيلها، لقد تتبع خطى ( برخت ) في العرض الملحمي ، بما تحتويه من : (الجوقة ، الراوي ، الحكاية ، الواقع اللامألوف ، الزي ، الديكور ، وخلق المسافة الجمالية) . المخرج لم يكن ناقلا ، بقدر ما كان فنانا ، لأنه ابتكر الأشياء وأعاد تنظيمها وترتيبها ، وثم تقديمها بشكل جديد . عالج المجموعة ( الجوقة ) كأنها فرد واحد بسبب أن هذه المجموعة كانت تمثل فكرة واحدة . ظهور الممثلين الأربعة جالسين على ( مصطبة مستوية واحدة ) إنما يدلل على إنهما في مستوى واحد من الفكر ، والرؤى ، وحتى الذاكرة التي تم استرجاعها أو عرضها عن طريق شريط السينما كلها دلالات على ذلك التوافق بينهم . وبعد انتشار المجموعة ذاتها إلى يسار ويمين خشبة المسرح كان بقصدية نقل عمل الجوقة إلى صالة العرض ، حيث شارك الجمهور في أداء هذا الدور ، أي دور الجوقة وبنفس الفكرة ( فكرة الشخص الواحد ) . لقد هجر المخرج عمق المسرح وتركه للصمت المطبق يسيطر عليه ، معوضا إياه بمقدمة المسرح ومقدمة الصالة التي استثمرها للمصورين ووسائل الإعلام كي تكون شاهدا على الأحداث . وبعد انتشار الممثلين على خشبة المسرح ، وتأكيدا على أنهم كانوا يمثلون حالة لمستوى واحد وبيئة واحدة ، والمتمثل بالثاني والثالث ( نظير جواد و فالح كريم ) وسؤالهما عن الأول ( طه المشهداني ) وتقصي أخباره من زوجته ( ايمان ذياب ) . لكن بعد هذا السؤال ، يصبح وفي لمح البصر – وان كان مشهدا مسرحيا – ( طه المشهداني ) الممثل عاطلا عن العمل ، وليصبح الآخر ( نظير جواد ) مديرا للمصنع . وتستمر اللامعقولية في الحياة المتمثلة بعدم تفكير ( العاطل عن العمل ) ولو في الخيال أن يكون ( كلبا للحراسة ) ، لكنه يقبل مجبرا لا مخيرا . ومع ذلك يبقى متفائلا ، ممنيا النفس بحصول شاغر يحوله من عمل الكلب إلى عمل إنساني ، ولو بإحلاله في مكان أحد تاركي العمل بسبب التقاعد أو الموت وسواهما . ويستمر اللامألوف على الواقع الذي عاشه ( الرجل – الكلب ) وسط التيه وفقدان الهوية ، والبحث عن ماهيته ، وسط سوء تعامل أصحاب العمل معه فيما لو كان انسانا ! وهكذا في لحظة الضعف واليأس هذه كيف ستحل مشاكله التي دفعت به إلى ( مسخ الإنسان ) ملوثا كل قيم الإنسانية. حيث أخذت تطارده الأشرطة الصفر معلنة عدم الاقتراب لخطورة المكان وتلوثه . لتنتهي بسقوط ( الزوجة ) التي ترفض الإنجاب داخل إحدى المناطق الملوثة . لم يكتف ا
حكاية الرجل الذي صار كلباً تجاوزت الخط الأحمر
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:54 م