سرمد الطائي ماذا جال في خاطر المالكي ليلة انسحاب الامريكان، وما علاقتها بليلة استجوابه؟ هل هناك من اخبره مؤخرا بأن الاستجواب قد يكون اكثر "قصائد العملية السياسية" حزنا وشجنا، على غرار واحدة من اجمل قصائد نيرودا؟ اريد اليوم ان اعرض 3 قضايا. الاخيرة منها تتعلق بطبيعة الشعور الذي سيتملك رئيس الحكومة نوري المالكي ليلة استجوابه. والاولى هي فهم بمثابة المغالطة، لهدف الاستجواب حيث يحاول اصحابه ان يعرفوا العملية الوشيكة بوصفها "امتحانا دراسيا" يمكن ان ينجو منه رئيس الحكومة اذا قدم اجوبة صحيحة.
اما القضية الوسطى فتتعلق بالتيار الشعبي الذي يؤيد المالكي وكيف يمكن ان يتعايش مع التيار المضاد.التأويلات التي تأتي بمقاييس المغالطة، لمعنى الاستجواب، تفترض ان في وسع رئيس الحكومة ان يعبر الازمة حين يلقي خطابا جيدا في مجلس النواب. لكن علينا ان نتذكر ان اجابات المالكي لن تنقذه مهما كانت وان الاوان قد فات على كل جواب. ذلك ان الاستجواب في هذه المحطة من الازمة، اصبح مجرد مقدمة قانونية تمهد لانعقاد جلسة سحب الثقة، وهي في جوهرها ليست فرصة للمالكي كي يدافع عن نفسه. فرص المالكي للدفاع عن نفسه انتهت. حتى لو نجا هذه المرة فلن يكون ذلك بفضل دفاعه عن نفسه. فرص الحوار التي ضيعها برفض الحوار، كانت طوق الانقاذ الذي سبق وان رفضه بشدة، واختار ان يتولى بمفرده كتابة قواعد جديدة للعبة، ليلة رحيل الامريكان. وحين طلب منه خصومه مرارا ان يحاوروه بشأن "العقد الجديد" الذي يكتبه بمفرده، رفض.اما اليوم فلا احد يبحث عن اجابات المالكي. لا احد بحاجة الى اجاباته بعد كل ما حصل. قد يكون استجوابه واحدا من اسرع الاستجوابات في تاريخ الديمقراطية، وسيكون مجرد ذريعة دستورية لعقد جلسة سحب الثقة. اختباره الحقيقي ليس الاستجواب بحد ذاته، وانما في الاسبوع الذي يتلوه ويشهد اختبارا لارادته وارادة غرمائه، لحظة سحب الثقة.اما انصار المالكي الذين يعيشون لاول مرة توترا بهذا المستوى، فهم ليسوا شياطين كما انهم ليسوا ملائكة. انهم تيار سياسي وشعبي يلتف حول رئيس الحكومة بأفكار ومصالح مختلفة، وللتيار هذا امتداداته في مختلف المدن. لكن هذا الاتجاه وجد نفسه في مواجهة تيار شعبي آخر ربما اوسع نطاقا يريد خلع المالكي قانونيا، بعد ان منحه السلطة قانونيا ايضا. والمطلوب اليوم هو ان نحدد كيف "نفك الاشتباك" بين هذين التيارين الشعبيين؟ قانوننا الاساسي يقول ان جلسة سحب الثقة هي محاولة احتكام للدستور لحل خلاف بين هذين التيارين الشعبيين. فلماذا الغضب اذن؟ان ما يجري تاريخي بحق. انه اختبار لكل العراقيين الذين التزموا بالديمقراطية، وبتداول السلطة سلميا، وباللجوء الى آليات الدستور لحل الخلافات. وكل الديمقراطيات تمنح الشرعية للحاكم وتسحبها وتقوم بخلعه اذا شاءت. الامور بيد اعضاء البرلمان شئنا ام ابينا. وليس علينا ان نصاب بالهلع اذا صوت البرلمان لصالح المالكي، او العكس.السيد المالكي عالق حاليا بين ليلتين. ليلة انسحاب الامريكان، وليلة استجوابه وسحب الثقة عنه او تأكيدها. يقول لنفسه انه واثق من عدم سحب الثقة لو طرح الموضوع على البرلمان. لماذا يخشى اذن؟ عليه ان يحافظ على رباطة جأشه. وان يفكر بليلة انسحاب الامريكان حين وجد نفسه لأول مرة مختليا بالشعب، ولا احد يحول بينه وبين خصومه. اول مرة اصبحت البلاد بلا امريكان، والمالكي هو المؤثر الاكبر. شعوره تلك الليلة شجعه على ان يعيد بمفرده كتابة قواعد اللعبة، وهو ما اغضب خصومه. شعوره ليلة انسحاب الامريكان هو الذي قاد الى ليلة استجواب المالكي. الليلة الاولى رسمت معنى لليلة الثانية التي قد تأتي في اي لحظة.السلطان الذي لا يحتاج احد الى اجاباته اليوم، يفكر الان: كيف وصلت الامور الى هذه المحطة الصعبة، ولماذا اصبح يواجه خطر الاستجواب؟ هل كان يتخيل ان الاستجواب ممكن وان سحب الثقة سيكون معقولا وفق كل الحسابات؟ من يصمم للمالكي حساباته؟ هل هناك من اخبره مؤخرا بأن الاستجواب قد يكون اكثر "قصائد العملية السياسية" حزنا وشجنا؟ ماذا جال بخاطره ليلة انسحاب الامريكان، وماذا سيجول في خاطره ليلة الاستجواب؟ هل هناك ما يمنعه من ان يدندن بشيء من قبيل هذا النص الذي كتبه بابلو نيرودا قبل 60 عاما "هذه الليلة أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزناً".
عالم آخر: ليلة استجواب وليلة انسحاب
نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:12 م