هاشم العقابي كالعادة، ومثل كل مرة، تتقطع أجساد العراقيين بالتفجيرات وما هي إلا أيام تمر، وأحيانا ساعات، حتى يعم الصمت وكأن شيئا لم يكن. أنا أعرف سبب صمت الحكومة، لكني لا أفهم سببا واحدا لسكوت الناس، فوا عجبي!
كنت أتصور أن من قالت في الدارمي: "حزن اليموت اسبوع حزن العدل دوم"، قد بالغت في تقليل أيام الحزن على الميت، إذ ليس من المعقول أن تختصره في سبعة أيام. لكن ها نحن ننسى قتلانا، وليس موتانا، خلال سبع ساعات لا سبعة أيام.ليس هذا فقط ما يثير العجب، بل ذلك الذي يحوله إلى سم زعاف يقطّع القلب حين يضع عينه بعينك ليقول لك: إن الأمن قد تحسن في بلادنا لحد أن الدول الأخرى صارت تغبطنا على ما نحن فيه من أمن وأمان. أذكّر بأن نوري المالكي قد قال ذلك يوما. سألته عمن غبطه فلم يجب. عادي.إن ما حدث لزوار الإمام موسى بن جعفر، لا يكشف عن خسة الفاعلين، حسب، بل وعن جهل من يقود الأجهزة الأمنية بأسس مكافحة الإرهاب. وأقول "أسس" لأن مكافحة الإرهاب علم لا يمكن السماح لمن لا يجيده، نظريا وعمليا، أن يتولى قيادته ولو لساعة واحدة. لو حسبنا بحسبة بسيطة عدد الضحايا من العراقيين خلال زيارات الإمام موسى الكاظم من يوم جريمة "جسر الأئمة إلى اليوم"، لوجدناهم بالآلاف. فماذا يعني أن تتكرر جريمة قتلهم عند كل زيارة؟ إن الجواب على هذا السؤال بكل صدق يتطلب من رئيس الحكومة أن يخرج بخطاب إلى الشعب بعد تفجيرات الأسبوع الفائت ليعتذر منه وان يعطي العيش لخبازته. والحر تكفيه إشارة.والإرهاب صار، هو الآخر، علماً يدرس في الجوامع والبيوت والمعسكرات ويفكر في نشر الموت والدمار بطرق مدروسة تستهدف ما تحت الأرض وفوقها وفي السماء والبحار. إن مكافحته تتطلب تخصصا حقيقيا ودراسات تعتمد اغلب العلوم، إن لم اقل كلها، من العلوم النفسية والدينية والعسكرية والى العلوم التقنية والتطبيقية. أغلب البلدان التي ينجح فيها الإرهاب بتنفيذ عملية إجرامية، لا يتمكن من تكرارها إلا بصعوبة بالغة قد تتطلب عدة سنوات. بينما في العراق صار الإرهابيون هم من يتحكم بالوقت. إنهم في بلدنا يستطيعون تكرار عملياتهم متى أرادوا: بعد ساعات أو أيام أو أشهر. باختصار، أصبح عنصر المبادرة بأيدي القتلة وليس بأيدي قواتنا الأمنية والعسكرية. والسبب هو أننا أمام قاتل محترف "عالم" يكافحه مسؤول "جاهل". ومن أخطر عيوب الجاهل انه لا يعترف بجهله ولا يحس حتى لو تسبب في إبادة بلد. والجهل والبلادة توأمان متطابقان.إن سبب نجاح الدول الأخرى، خاصة بلدان الغرب، في ردم منابع الإرهاب وقبر محاولاته وهي في مهدها، جاء بفعل عاملين: الأول، خوف الحكام من غضب شعوبهم. والثاني، إن ملف مكافحته تبنته عقول مخلصة في أعلى درجات الكفاءة.فلو كان زوار الإمام الكاظم، الذين كانوا هدفا مكشوفا للقتلة، في أي من تلك البلدان التي تهاب فيه الحكام شعوبها، لعرّجوا بعد إتمام مراسيم الزيارة بمظاهرة غاضبة وصامتة صوب المنطقة الخضراء. وهناك يرفعون صور ضحاياهم وتحتها سؤال من كلمة واحدة: ليش؟
سلاما ياعراق :مكافحة الإرهاب .. بين العلم والجهل
نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:21 م