حازم مبيضين ليس معقولاً ولا منطقياً أن تمر حادثة الاعتداء على النائب الأردني التقدمي جميل النمري مرور الكرام, وأن تنتهي الحكاية بفنجان قهوة, فالأمر هذه المرة لايخص النمري وحده, ولا حتى نواب التجمع الديمقراطي المناوئين لمشروع قانون الانتخابات الجديد, الذي يحظى برفض شعبي واسع قبل إقراره,
فالواضح أن فكرة الاعتداء كانت مبيتة, واشترك فيها إلى جانب النائب المعتدي أطراف هيأت له مسرح جريمته, وحدودها, وهي تدرك سلفاً الهدف الكامن خلفها, ولا نتحدث هنا عن غيبيات, وإنما عن خطة مبرمجة لسلق القانون, الذي كنا نأمل أن يكون العمود الأساسي للعملية الاصلاحية, التي ما تنفك الحكومات المتعاقبة تبشرنا بأنها أخذت مسارها الصحيح, وبما يبعد الاردن عن تداعيات عنف الربيع العربي.ما حدث في مجلس النواب الأردني, الذي لم يعد يستحق صفة الموقر, لم يكن موجهاً ضد النمري, ولا تقدميته وديمقراطيته فحسب, وإنما كان صفعة على وجه كل أردني يطالب بالإصلاح, وحذاء النائب المعتدي الذي لاحق النمري, بعد الفشل في كسر عنقه أو خنقه, كان في الوقت عينه يفتش عن وجوه كل الرافضين لقانون انتخاب, يتم تفصيله لإعادة النائب المعتدي ومن هم على شاكلته إلى المجلس النيابي القادم, وكنا نستطيع أن نتفهم رد فعل النائب المعتدي لو كان ردة فعل, ولم يكن عملاً مبرمجاً, كان شديد الوضوح في ملاحقته للنمري, إلى المقعد الذي طلبت رئاسة المجلس منه الجلوس عليه, ولم تسمح له بالابتعاد عن المعتدي, والتحدث من المنصة التي لا يستطيع المعتدي مشاركته فيها.نعترف طبعاً بحق كل القوى السياسية في الدفاع عن رؤاها وبرامجها, بمن فيها تلك المؤيدة لقانون الصوت الواحد, سواء بصيغته القديمة التي انتجت مجالس نيابية هشة وشديدة الضعف, أو الصيغة الجديدة المعدلة, التي لن تنتج مجالس أفضل, لكننا نصاب بالإحباط, حين تحاول جهة ما فرض قانونها بلغة الخنق وكسر الرقبة والأحذية, والمؤكد أن ذلك لن ينتج قانوناً يليق بما يقال عن العملية الإصلاحية, وكأن هناك من يدفع الأمور باتجاه مزيد من التصعيد, وهو أمر يستهوي الكثير من القوى التي تحاول استغلال المناخ المطلبي للناس, فترفع سقف المطالب التي تفضي إلى هيمنتها على الحياة السياسية, تحت غطاء الدفاع عن المصالح الشعبية, أو الدفاع عن الدستور, وكلا الأمرين في واقع الحال بعيد عن تفكير هذه الجماعات وبرامجها.رئاسة مجلس النواب مطالبة بوضع حد للانفلات غير العقلاني, الذي يستهوي بعض الأعضاء, وسيكون مدهشاً إن لم تتخذ إجراءً عقابيا بحق النائب الذي اعتدى على زميله, وعلى هيبة المجلس, وعلى فكرة الديمقراطية التي سمحت له بالجلوس تحت قبة البرلمان, ليشرع ويراقب الأداء الحكومي, وليس ليستنفر كل ما في العصبية القبلية من سلبيات, محاولاً أخذ ما يعتقده حقاً له بقوة الذراع, وليس بقوة القانون الذي يحكم تصرفات النواب, وإذ نعرف ويعرف النواب أنهم يعيشون اللحظات الأخيرة من عمر مجلسهم, فإنهم مدعوون للوقوف بصلابة ضد محاولات إسباغ المزيد من الصفات السلبية على هذا المجلس, إذ فيه ما يكفيه.للنائب جميل النمري, وبغض النظر إن كنا نختلف أو نتفق مع توجهاته, تجاه قانون الانتخابات الجديد, تحية تعاطف وهو يجد نفسه في سوق خضار أو مسلخ لحوم, بدل أن يجد نفسه في مجلس نواب يحترم نفسه, ويحافظ على التقاليد الديمقراطية في الحوار وحق الاختلاف, وله أن يفخر بتاريخه الوطني, مدافعاً عن الفقراء ومطالباً بالديمقراطية, التي يجري اليوم الدوس عليها تحت قبة البرلمان.
في الحدث:ديمقراطية الأحذية النيابية
نشر في: 13 يوليو, 2012: 06:51 م