TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > صراع أم تنافس ديمقراطي؟

صراع أم تنافس ديمقراطي؟

نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:31 م

علي حسين عبيدالصراع والديمقراطية مفردتان تقفان من حيث المعنى والفعل بالضد من بعضهما، ولا تلتقيان في ساحة السياسة إلا في حالة اختلال العمل السياسي، وانحرافه في مسارات قد لا تمت بصلة للديمقراطية بمفهومها المتَّفق عليه، بمعنى أوضح، أينما توجد الديمقراطية على نحو صحيح، ينتفي الصراع كمصدر تقاطع واحتراب بين السياسيين، أو بين الجماعات التي تنشط من أجل الوصول إلى السلطة، ويصح العكس بطبيعة الحال، كما كان يحدث في العراق وسواه من الدول المتأخرة سياسياً، عندما كان الصراع بين القوى السياسية، يؤدي غالى انتزاع السلطة بالقوة (أسلوب الانقلابات العسكرية) بعيداً عن النهج الديمقراطي وصناديق الاقتراع.
البديل للصراع السياسي، هو التنافس الديمقراطي، وهو ما حاولت العملية السياسية ترسيخه كمنهج عمل سياسي يتيح للعراقيين التداول السلمي للسلطة وبناء مؤسسات الدولة المدنية، فهل تبدو الساحة السياسية العراقية كما أريد لها أن تكون، فضاء ديمقراطيا قائما على التنافس السلمي بين الأحزاب والكتل السياسية، لتبادل مواقع السلطة من خلال أصوات الناخبين؟ إن واقع الساحة السياسية العراقية يؤكد وجود مخاطر في طريقها إلى التفاقم، يفرزها صراع خفي بين القوى السياسية، يتحرك هذا الصراع خلف ستار ديمقراطي هش- كما أكد ذلك كثير من المراقبين- ليأخذ مكان التنافس الديمقراطي السليم، وهذه ظاهرة خطرة ينبغي أن يتنبّه لها القائمون على العملية السياسية في العراق، بغض النظر عن الهوة الكبيرة التي تفصل بين الفرقاء، سواء في الأفكار أو الأهداف أو في وسائل العمل السياسي، لأن تحوّل التنافس إلى صراع وتقاطع كلّي، يعني العودة إلى أساليب الاستحواذ على السلطة بالقوة، بمعنى أكثر وضوحا، عودة إلى الانقلابات العسكرية، وهي نتيجة تقضي بشكل تام على تطلع العراقيين لبناء الدولة الجديدة المتحضرة التي تنتمي إلى روح العصر.لهذا لابد أن يتعلّم ويؤمن السياسيون العراقيون، لاسيما الفرقاء والكتل الكبيرة والأحزاب والشخصيات السياسية المستقلة، أن لا عودة للصراع والاحتراب في العمل السياسي العراقي، بل هناك تنافس يستند إلى ضوابط مأخوذة من بنود الدستور، وما عدا ذلك ينبغي أن يتم نبذه كليّا من لدن جميع السياسيين، فالجميع لهم حرية التقاطع واختلاف الآراء والبرامج السياسية، على أن يتم ذلك تحت مظلة التنافس الديمقراطي، وقد تعلّم بعض القادة السياسيين قواعد اللعبة الديمقراطية، وقطعوا شوطا في مجال التأسيس لعملية سياسية ديمقراطية تنافسية، لا مكان لوسائل القوة في إدارتها، وما يؤكد ذلك الدورات الانتخابية المتعددة لاختيار النواب لأكثر من دورة، وكذا في ما يتعلق بمجالس المحافظات، وحتى المجالس البلدية بالنسبة للأقضية والنواحي، ناهيك عن عمل مؤسسات الدولة المستقلة والفصل بين السلطات.ولكن يلاحظ المتابع المختص، أن التنافس الديمقراطي يختل في كثير من الأحيان، ويكاد يتحول إلى حالة صراع تنذر بعواقب وخيمة، كما يحدث في الساحة السياسية الآن والتجاذبات المخيفة بين الكتل السياسية الكبيرة، إذ نتابع قضية حجب الثقة عن الحكومة الراهنة، وما تمخضت عنه من اصطفافات وتحالفات، وإطلاق تصريحات متشنجة ومتناقضة لوسائل الإعلام، تزيد من المخاوف والتشنجات، ومع أن التنافس الديمقراطي لا يزال يشكل طريقا مناسبا للوصول إلى السلطة، إلا أن بوادر الصراع تظهر بين حين وآخر لتزيد من حالة الارتباك والخوف بين العراقيين، لاسيما بين المعنيين والمتابعين لما يدور في الساحة السياسية عموما.المطلوب أن يبقى الصراع والاحتراب بعيداً عن العملية السياسية، وأن تدعم القوى السياسية البديل الملائم للقوة، وهو (التنافس الديمقراطي)، وأن يتعلم السياسيون إدارة اللعبة السياسية وفقا للضوابط الديمقراطية، التي تحضُر كليا، استخدام القوة، كطريق للوصول للسلطة، وأن تسود ثقافة القبول بالنتائج البرلمانية في ما يتعلق بالتصويت، وأن يفهم الجميع، أن السلطة ما عادت حكرا على أحد، وأن الأجدر بها هو من يصل إليها عبر التنافس الديمقراطي لا غير.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram