أ.د.قاسم حسين صالحّ الدكتور علي الوردي هو الذي ألصق صفة " ازدواج الشخصية " بالفرد العراقي . ومع أن الرجل أشار في محاضرته التي ألقاها في بداية الخمسينات ، أنه لا يدّعي " بأن هذه المحاضرة بحث قد استوفى شروطه العلمية " إلا أن عددا من الباحثين والناس بشكل عام عدّوا ما قاله حكماً قطعياً ، واستلطفوه.
ومع أن الوردي قال في سياق محاضرته :" لقد لاحظت بعد دراسة طويلة بأن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج " فإنه استدرك قائلا :" وإني وإن كنت غير واثق من نتيجة هذه الدراسة " ثم عاد ليوحي ضمنا بأن حكمه هذا عن يقين بقوله :" ولكني أجد كثيرا من القرائن تؤيد في ما أذهب إليه " . ومن القرائن التي يذكرها عن ازدواج شخصية العراقي : " أن المسلم العراقي من أشدّ الناس غضباً على من يفطر علنا وهو من أكثرهم إفطاراً " ، و " أن الفرد العراقي من أكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم(الإلزامية العسكرية) بينما هو في الواقع مستعد للتملص من خدمة العلم إذا آن الأوان ". ويؤكد أن " الفرد العراقي – في هذا – ليس منافقا أو مرائيا كما يحب البعض أن يسميه ، بل هو في الواقع ذو شخصيتين "*. توضيح مفهومفي خمسينات القرن الماضي شاع في الولايات المتحدة مفهوم ( ازدواج الشخصية ) وكان المثال الكلاسيكي لها هو رواية ستيفنسن الموسومة :" دكتور جيكل ومستر هايد Dr.Jekyll and Mr. Hyde" التي جرى تحويلها إلى فيلم سينمائي جذب الملايين من المشاهدين.وحدث أن ظهرت – في الخمسينات أيضا – حالة واقعية في أمريكا لفتاة أسمها "Sybil"كانت لها ثلاث شخصيات : شخصية عادية ، موظفة تمارس عملها حسب الأصول ، وشخصية متدينة تذهب إلى الكنيسة في أيام الآحاد ، وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل . وكان لكل شخصية اسم خاص بها ولا تعرف إحداهن الأخرى . ولأن الحالة مثيرة كسابقتها فقد التقطتها السينما وحولتها إلى فيلم بعنوان " ثلاثة وجوه لحواء ، Three Faces of Eve"عرض عام 1957وقامت ببطولته الممثلة Joanne Woodward ،فظهر مفهوم جديد بعد " ازدواج الشخصية " هو " تعدد الشخصية Multiple Personality " . وحدث أن أشاعت السينما والصحافة الفنية بين الملايين الذين أدهشهم الفيلم أن البطلة مصابة بمرض " الشيزوفرينيا " وكان هذا خطأً علمياً ومفاهيمياً شاع بين الناس وبين أوساط علمية أيضا ، وروجت له السينما والتلفزيون وبخاصة أفلام " هتشكوك " ، الأمر الذي اضطر عددا من الأطباء النفسيين إلى التنويه ، في السبعينات ، بأن ما يسمى بـ"ازدواج الشخصية أو تعددها " ينضوي تحت العصاب وليس الذهان ، لأن المصاب بهذا الاضطراب يتقمص أدوارا مختلفة ولو أنها متناقضة ، ولكنه يقوم بكل منها بطريقة منطقية ومتماسكة ومتلائمة مع المتطلبات الاجتماعية للدور ، بعكس ما يحدث في الشيزوفرينيا إذ يعبّر الاضطراب عن انفصال الشخصية عن متطلبات الواقع فيتصرف الشخص بطريقة تبدو للآخرين مضطربة ولا تتلاءم مع المعايير الخارجية . ولقد جرى حديثا ( أدبيات عام ألفين وما بعده ) إسقاط مصطلحي " ازدواج الشخصية وتعدد الشخصية " واستبدالهما بمصطلح " اضطراب الهوية الانشطاري Dissociative Identity Disorder " وحدد عرضه الرئيس بأن الفرد " يعيش بشخصيتين أو أكثر ، وأن هذه الشخصيات قد تكون على دراية ببعضها البعض أو قد تكون في حالة فقدان الذاكرة النفسي ". هذا يعني أن مفهوم " ازدواج الشخصية " – وهو مفهوم طبي نفسي لا علاقة له بعلم الاجتماع – لم يعد متداولا في الطب النفسي وأنه استبدل بمفهوم " اضطراب الهوية الانشطاري " الذي يعني ان المصاب به يملك هويتين أو شخصيتين – وقد يصل العدد إلى العشرات !- لكل واحدة أسلوبها الخاص بها في السلوك والإدراك والتفكير والتاريخ الشخصي والعلاقة بالآخرين . وللإيضاح فان ما يحدث في هذا الاضطراب " الفانتازي " ، الذي ما يزال يثير الجدل، أن الشخصية الأصلية أو المضيفة يحل أو ينزل عندها ضيوف هي الشخصيات البديلة . فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد ( الأصلية والضيفة ) فإنهما تتناوبان السيطرة ، والمثال الكلاسيكي هو " دكتور جيكل ومستر هايد " حيث يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب فيما يتحول في الليل إلى مجرم سفّاح باسم هايد . الخطأ العلمي في طروحات الورديأشاع الوردي مفهوم (ازدواج الشخصية ) في الفرد العراقي قبل نصف قرن ونيف متأثرا بشيوع هذا المفهوم عبر أفلام السينما والصحافة الفنية والقصص في خمسينات القرن الماضي ، وسط استغراب الناس ودهشتهم .. أن يحصل مثل هذا للإنسان ، وربما خشيتهم على أنفسهم أن يصيب أحدهم ما أصاب الدكتور جيكل أو أن تصاب إحداهن ما أصاب الفتاة سيبل . وهو بذلك تحمّل الخطأ العلمي الخاص بمفهوم (ازدواج الشخصية )الذي أشرنا إليه
ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم
نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:33 م