TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم

ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم

نشر في: 14 يوليو, 2012: 06:33 م

   أ.د.قاسم حسين صالحّ الدكتور علي الوردي هو الذي ألصق صفة " ازدواج الشخصية " بالفرد العراقي . ومع أن الرجل أشار في محاضرته التي ألقاها في بداية الخمسينات ، أنه لا يدّعي " بأن هذه المحاضرة بحث قد استوفى شروطه العلمية " إلا أن عددا من الباحثين والناس بشكل عام عدّوا ما قاله حكماً قطعياً ، واستلطفوه.
ومع أن الوردي قال في سياق محاضرته :" لقد لاحظت بعد دراسة طويلة بأن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج " فإنه استدرك قائلا :" وإني وإن كنت غير واثق من نتيجة هذه الدراسة  " ثم عاد ليوحي ضمنا بأن حكمه هذا عن يقين بقوله :" ولكني أجد كثيرا من القرائن تؤيد في ما أذهب إليه " . ومن القرائن التي يذكرها عن ازدواج شخصية العراقي : " أن المسلم العراقي من أشدّ الناس غضباً على من يفطر علنا وهو من أكثرهم إفطاراً " ، و " أن الفرد العراقي من أكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم(الإلزامية العسكرية) بينما هو في الواقع مستعد للتملص من خدمة العلم إذا آن الأوان ". ويؤكد أن  " الفرد العراقي – في هذا – ليس منافقا أو مرائيا كما يحب البعض أن يسميه ، بل هو في الواقع ذو شخصيتين "*. توضيح مفهومفي خمسينات القرن الماضي شاع في الولايات المتحدة مفهوم ( ازدواج الشخصية ) وكان المثال الكلاسيكي لها هو رواية ستيفنسن الموسومة :" دكتور جيكل ومستر هايد Dr.Jekyll  and Mr. Hyde" التي جرى تحويلها إلى فيلم سينمائي جذب الملايين من المشاهدين.وحدث أن ظهرت – في الخمسينات أيضا – حالة واقعية في أمريكا لفتاة أسمها "Sybil"كانت لها ثلاث شخصيات : شخصية عادية ، موظفة تمارس عملها حسب الأصول ، وشخصية متدينة تذهب إلى الكنيسة في أيام الآحاد ، وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل . وكان لكل شخصية اسم خاص بها ولا تعرف إحداهن الأخرى . ولأن الحالة مثيرة كسابقتها فقد التقطتها السينما وحولتها إلى فيلم بعنوان " ثلاثة وجوه لحواء ، Three Faces of Eve"عرض عام 1957وقامت ببطولته الممثلة Joanne Woodward ،فظهر مفهوم جديد بعد " ازدواج الشخصية " هو " تعدد الشخصية Multiple Personality  " . وحدث أن أشاعت السينما والصحافة الفنية بين الملايين الذين أدهشهم الفيلم أن البطلة مصابة بمرض " الشيزوفرينيا " وكان هذا خطأً علمياً ومفاهيمياً شاع بين الناس وبين أوساط علمية أيضا ، وروجت له السينما والتلفزيون وبخاصة أفلام " هتشكوك " ، الأمر الذي اضطر عددا من الأطباء النفسيين إلى التنويه ، في السبعينات ، بأن ما يسمى بـ"ازدواج الشخصية أو تعددها " ينضوي تحت العصاب وليس الذهان ، لأن المصاب بهذا الاضطراب يتقمص أدوارا مختلفة ولو أنها متناقضة ، ولكنه يقوم بكل منها بطريقة منطقية ومتماسكة ومتلائمة مع المتطلبات الاجتماعية للدور ، بعكس ما يحدث في الشيزوفرينيا إذ يعبّر الاضطراب عن انفصال الشخصية عن متطلبات الواقع فيتصرف الشخص بطريقة تبدو للآخرين مضطربة ولا تتلاءم مع المعايير الخارجية .  ولقد جرى حديثا ( أدبيات عام ألفين وما بعده ) إسقاط مصطلحي " ازدواج الشخصية وتعدد الشخصية " واستبدالهما بمصطلح " اضطراب الهوية الانشطاري Dissociative Identity Disorder " وحدد عرضه الرئيس بأن الفرد " يعيش بشخصيتين أو أكثر ، وأن هذه الشخصيات قد تكون على دراية ببعضها البعض أو قد تكون في حالة فقدان الذاكرة النفسي ".  هذا يعني أن مفهوم " ازدواج الشخصية " – وهو مفهوم طبي نفسي لا علاقة له بعلم الاجتماع – لم يعد متداولا في الطب النفسي وأنه استبدل بمفهوم " اضطراب الهوية الانشطاري " الذي يعني ان المصاب به يملك هويتين أو شخصيتين – وقد يصل العدد إلى العشرات !- لكل واحدة أسلوبها الخاص بها في السلوك والإدراك والتفكير والتاريخ الشخصي والعلاقة بالآخرين .  وللإيضاح فان ما يحدث في هذا الاضطراب " الفانتازي " ، الذي ما يزال يثير الجدل، أن الشخصية الأصلية أو المضيفة يحل أو ينزل عندها ضيوف هي الشخصيات البديلة . فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد ( الأصلية والضيفة ) فإنهما تتناوبان السيطرة ، والمثال الكلاسيكي هو " دكتور جيكل ومستر هايد " حيث يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب فيما يتحول في الليل إلى مجرم سفّاح باسم هايد . الخطأ العلمي في طروحات الورديأشاع الوردي مفهوم (ازدواج الشخصية ) في الفرد العراقي قبل نصف قرن ونيف متأثرا بشيوع هذا المفهوم عبر أفلام السينما والصحافة الفنية والقصص في خمسينات القرن الماضي ، وسط استغراب الناس ودهشتهم .. أن يحصل مثل هذا للإنسان ، وربما خشيتهم على أنفسهم أن  يصيب أحدهم ما أصاب الدكتور جيكل أو أن تصاب إحداهن ما أصاب الفتاة سيبل . وهو بذلك تحمّل الخطأ العلمي الخاص بمفهوم (ازدواج الشخصية )الذي أشرنا إليه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram