يوسف أبو الفوزأطلقت روسيا ، على لسان رئيسها ، فلاديمير بوتين مؤخرا ، تحذيرا شديدا موجها إلى حلف الناتو ، يتعلق بنية الحلف نشر منظومة صاروخية دفاعية في فنلندا ، وقال في تصريح للصحفيين : " إن بلاده ستتخذ إجراءات الرد في حال نشر حلف الناتو منظومات صاروخية ضاربة في فنلندا، وإن هذه الإجراءات ستثير ردة الفعل الروسية " ، وأوضح " أن مشاركة أية دولة كانت ، في التحالفات العسكرية يفقدها جزءا من استقلالها " في إشارة واضحة إلى الجارة فنلندا .
من المعروف أن روسيا هي الجار الأكبر لفنلندا وتقع شرقها ، إضافة إلى السويد من الغرب ، والنرويج من الشمال ، بينما تقع إستونيا إلى الجنوب عبر خليج فنلندا، وتمتد الحدود بين روسيا وفنلندا لأكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة . ومنذ تأسيس حلف الناتو عام 1949 ، فإن سياسة تطويق الاتحاد السوفياتي ، وبالتالي روسيا التي ورثت ترسانته النووية ، ظلت من أهداف حلف الناتو الإستراتيجية ، ونجح الحلف في أن يضم إلى عضويته في العقود الأخيرة العديد من البلدان في أوروبا الشرقية ، التي كانت في سنوات سابقة حليفا سياسيا للاتحاد السوفياتي السابق ، وأيضا بلدان أوروبية كانت جزءا من الأراضي السوفياتية مثل استونيا ، الجارة لكل من فنلندا وروسيا ، إضافة إلى دولتي لاتفيا ولتوانيا ، الأمر الذي دفع روسيا إلى اتخاذ إجراءات عسكرية احترازية عديدة خصوصا في مناطق القطب الشمالي حيث تضم المنطقة ثروات هائلة من الغاز والبترول .لم يكن جوزيف ستالين ( 1878 - 1953) مخطئا حين قال لمحاوره الفنلندي ، يوما ، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية : " قد يكون لكم رأي آخر لكني لست مسؤولا عن الجغرافيا " ، فالجغرافيا ترسم دائما واقعا لا سبيل للهروب منه في العلاقات بين الدول، وكان ستالين يومها يرسل تحذيرا واضحا من اتخاذ فنلندا أي موقف معاد يضر بالاتحاد السوفياتي ، طالبا من فنلندا بأن تحافظ على خيار الحياد في الصراع بين محاور الشرق والغرب، خصوصا وأن فنلندا دفعت غاليا ثمن عدم حيادها في سنوات الحرب العالمية الثانية ، فاصطفاف الحكومة اليمينية الفنلندية أيامها إلى جانب هتلر واستخدام القوات الهتلرية النازية للأراضي الفنلندية لمهاجمة أراضي الاتحاد السوفياتي ، ومنها الحصار الشهير لمدينة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) ، في الفترة 1941 ـ 1942 الذي استمر 455 يوما ، والذي لم يمكن تنفيذه لولا التعاون الفنلندي ، ولهذا السبب أرسلت محاكم الحلفاء بعد نهاية الحرب خامس رئيس جمهورية فنلندي وهو ريستو روتي (1889 ـ 1956) إلى السجن كمجرم حرب ، إضافة إلى أن ستالين استقطع من الأراضي الفنلندية كعقوبة مساحة تعادل 12% من الأراضي الفنلندية كحزام واق لضمان أمن مدينة لينينغراد ، هذه الأراضي التي أصبحت جزءا من الأراضي الروسية حتى الآن !في عام 1920 ، بعد الحرب الأهلية الفنلندية عام 1918 ، بين معسكري البيض والحمر ، التي وقفت فيها روسيا البلشفية إلى جانب الحمر ، وقعت أول معاهدة سلام بين فنلندا وروسيا ، ثم بعد سنوات الحرب العالمية الثانية (1937 ـ 1945) وقعت بين فنلندا والاتحاد السوفياتي العديد من المعاهدات التي تضمن للاتحاد السوفياتي أمن أراضيه ولمنع أي اعتداء انطلاقا من الأراضي الفنلندية، فكانت هناك معاهدة سلام عام 1947 ثم معاهدة الصداقة والتضامن والمساعدة المتبادلة الموقعة عام 1948 ، التي أشارت المقدمة فيها إلى رغبة فنلندا لأن تكون خارج إطار نزاعات القوى العظمى ، وقد ألغت فنلندا كلا المعاهدتين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لكنه لم يجر أي تغيرات في الحدود أو استرجاع الأراضي المستقطعة . ومع بروز الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية وسياسية ، وصعود قوى سياسية يمينية لسدة الحكم في فنلندا ، فإن موضوع العلاقة مع حلف الناتو تحول إلى ورقة انتخابية تتحرك في سياسة مد وجزر بين القوى السياسية الفنلندية المتصارعة . فقوى اليسار التي حكمت فنلندا لسنوات طويلة ، ظلت تعارض أي تطور نوعي في العلاقات مع حلف الناتو ، وتمسكت بسياسة الحياد التي عرفت بها فنلندا ، إلا أن قوى اليمين ، ومع تزايد نفوذها التشريعي والتنفيذي في البلاد بدأت بمغازلة حلف الناتو واعتماد سياسة "عدم غلق الباب "، التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو إرضاء للجارة روسيا ولكن عدم غلق الباب في التنسيق والتعاون مع حلف الناتو ، وكان من نتيجة ذلك اشتراك فنلندا في قوى السلام ضمن قوات حلف الناتو في أفغانستان وإجراء العديد من المناورات العسكرية والتدريبية التي أغضب الجارة روسيا .من العوامل التي كبحت طويلا عدم انجرار فنلندا إلى سياسات حلف الناتو كان وجود رئيسة الجمهورية تاريا هالونين (مواليد 1943)، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار)، التي تصنف باعتبارها تقف على يسار حزبها ، إذ تولت الرئاسة لفترتين متتاليتين 2000 ــ 2012 ، وكان موقفها صارما ضد التقارب مع حزب الناتو. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في آذار 2012 صار لفنلندا رئيس جمهورية جديد، من قيادات اليمين التقليدي، والى جانبه ومن نفس الحزب اليميني(الائتلاف الوطني الفنلندي ) رئيس وزراء وصل إلى دفة الحكم في الانتخابات البرلمانية في نيسان 2011، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ فنلندا، أن يكون رئيس الجمهورية ورئي
العلاقات بين فنلندا وروسيا في مدار حلف الناتو!
نشر في: 14 يوليو, 2012: 07:30 م