(3 ـ 3) د.مظهر محمد صالحيلحظ أن أركان الإصلاح مهما ابتعدت أو اقتربت فإنها تلفّ حول المبادئ التي جاء بها قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 الذي ولد كمقدمة لتحرير السوق المالية وولوج اقتصاد انتقالي كلي شكل فيها البنك المركزي رأس الرمح في تطور الليبرالية المالية في العراق.
ابتدأت مستلزمات التحول إلى اقتصاد السوق حقاً في النشاط المالي أو السوق المالية دون القطاعات الأخرى التي تمثلت بتحرير الأسعار واستخدام القطاع المذكور لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي وجعل التضخم عند أدنى مستوى في التاريخ الاقتصادي القريب في العراق وإطلاق قوى الطلب المكبوتة، فضلاً عن تطوير الوسائل غير المباشرة في السياسة النقدية التي تعتمد سوقا ماليا حرا في تحقيق الاستقرار والعمق المالي للتأثير في حركة التنمية و تطوير الاستثمار في السوق الحقيقية شريطة أن تكون تلك السوق متحولة وتنعم ببنية تحتية قانونية ملائمة. فالإجراءات والإصلاحات المصرفية وتحرير سعر الفائدة والائتمان وتكييف قانون سوق العراق للأوراق المالية وتشكيل هيئة الأوراق المالية كقوة رقابية منظمة لسوق المال و إصلاح البنية التحتية القانونية للقطاع المالي التي تمثلت بإصدار عدد من القوانين واللوائح الرقابية والتنظيمية لتحول القطاع المالي إلى اقتصاد السوق، جميعها قد ولدت حقاً سوقاً انتقالية شديدة الليبرالية أمام أسواق ناقصة معطلة نسبياً لم يمسها التحول المنشود نحو اقتصاد السوق أو تحسين بنيتها كقطاع خاص راكد لا يقوى على الحركة ما لم يتدخل رأس المال المالي للدولة أو الأهلي لتحريكه ضمن تنسيق منظومة الاقتصاد الكلي. فالسؤال مجال الجدل، هو إذا كانت السياسة المالية تفتقر إلى قدراتها في تحفيز التنمية الاقتصادية وإدارتها بصورة كفء عبر موازناتها الاستثمارية منذ عام 2004 وحتى الوقت القريب، لاعتقادها أن القطاع المالي المنتقل إلى اقتصاد السوق الحر هو الذي سيمارس مثل هذه الوظيفة تمويلاً وتنفيذاً، نجد بالمقابل أن السياسة النقدية المستقلة التي انغمست في توفير مناخ الاستقرار وبلوغ مستويات مثالية منه، فإنها على الرغم من ذلك لم تحرك هي الأخرى مقدرات التنمية ودفع عجلة الاستثمار الحقيقي في مجال السوق.لــذا يلحظ، أنه لا السياسة المالية، التي تفتقر إلى توافر عناصر الكفاية الإنتاجية لبلوغ أهداف التنمية التي انغمست حقا في العدالة التوزيعية وبناء مقومات دولة الرفاهية الاستهلاكية، أصبحت قادرة على خلق مناخ الاستثمار الإنمائي وتمكين التنمية وتعظيم بيئة الأعمال ولاسيما في الأسواق الضعيفة غير الانتقالية وقطاعات الإنتاج الحقيقي الملازمة لها، ولا كذلك السياسة النقدية المستقلة التي وفرت الاستقرار في أعلى مستويات من الأمثلية في البلاد، قد حفزت رأس المال المالي ليتجه نحو الاستثمار الحقيقي المرغوب.إن الدعوة إلى تغيير أو تعديل قانون البنك المركزي العراقي النافذ رقم 56 لسنة 2004 هي دعوة صريحة للتصدي إلى مظاهر الاقتصاد الانتقالي في العراق عبر هذه الأحادية الليبرالية في التحول إلى السوق المالي الانتقالي الحر حصراً ولاسيما بعد إطلاق قواه وتحريره من القيود التي وفرت الاستقرار كمناخ مهم للتنمية ولكنها لم توفر معايير التنمية في السوق الحقيقية بسبب الإشكاليات الناجمة عن الاستقطاب العالي لرأس المال المالي في اقتصاد الدولة والسوق معاً جراء غياب الاقتصاد الانتقالي المنسق الشامل.وعلى الرغم من ذلك لا أجد قيمة للتشخيص الموضوعي في رسم مستقبل البلاد الاقتصادي مالم تضع السياسة الاقتصادية منهجاً فكرياً واضحاً لها كي يخرج الاقتصاد الوطني من أزمته الراهنة في التنمية أي أزمة التنمية.فالرجوع إلى فكرة المركزية الشديدة مجددا في إدارة الاقتصاد التي يطرحها البعض بين الحين والآخر أو نقرأها من بين السطور هي عودة إلى لعبة الثعابين والسلالم، ولكن في هذه المرة يتفوق فيها عدد الثعابين على عدد السلالم مما يُدخل البلاد في مأزق دستوري يتقاطع مع توجهات العراق الجديد المتطلع إلى تقوية مؤسسات السوق الحر والمشروط بتحسين سلوك السوق والانتقال بــه من سوق حر منفلت إلى سوق حر موجّه. فالدعوة إلى إصلاح قانون البنك المركزي العراقي الحالي باشتراط الحفاظ على استقلاليته (وان هذه الاستقلالية لاتعني تقاطع ذلك مع توفير الائتمان إلى الموازنة العامة عند بلوغ الاقتصاد مراحل حرجة تهدد أمنه الاقتصادي الوطني) ينبغي أن تتلازم تلك الدعوة في إصلاح إستراتيجية الموازنة العامة بما يوفر الشروط التي تلتحم فيها السياستان المالية والنقدية وتنسجما في عملهما صوب تفعيل الانتقال الشامل إلى السوق الحر الموجه المتجانس، وأن إعادة لُحمة الاستثمار الحقيقي وتشجيع التنمية الاقتصادية بمناخات جديدة، تستلزم اندماج السياسة الاقتصادية في سياسات السوق الحر الموجه بغية توليد أثـــر ارتجاعـــي feed back لرأس المال المالي وتحويله من الحالة السالبة إلى الحالة الموجبة الفاعلة لتمويل الاستثمارات ا
إشكالية الاقتصاد الانتقالي في العراق..استقطاب ماليّ أم اغتراب اقتصاديّ؟
نشر في: 14 يوليو, 2012: 07:31 م