وائل نعمة الفقر حالة نسبية، وفقا للبيئة والمكان التي تعيش فيه المجموعات البشرية، ويكيف الفقراء حياتهم حسب قوانين وطبيعة تلك البيئات المختلفة. في العراق مثلا يعتمد الفقراء وهم يشكلون نسبة 11% حسب إحصائيات وزارة التخطيط مؤخرا على نظرية الاستضاعة الرياضية في ترتيب حياتهم اليومية، فبدل البيوت الاعتيادية يسكنون في علب صفيح مجتمعة على شكل منزل ، وبدل الماء النقي يشربون ماء مخلوطا بمخلفات المجاري! وبدل الملابس الحديثة يرتدون من "البالة "، ولكن هناك بعض الاحتياجات التي لا يمكن ان يجدوا لها بديلا مثل العلاجات الطبية.
يعيب الكثير من المثقفين والاختصاصيين في مجال الطب على بعض المجاميع التي تلتجئ الى وسائل غيبية وروحانية او وسائل اخرى غير علمية في معالجة الأمراض، ويتهمونهم بالجهل والتخلف، ولكنهم لا يسألون لماذا سلكوا هذا الطريق؟ هل الجهل وحده هو الدافع، أم جشع الصيادلة؟شاهدت قبل فترة ندوة في التلفزيون اقامها بعض الصيادلة وهم يرتدون بدلات انيقة واربطة عنق مربوطة بعناية وتقف خلفهم "سبالات " عمودية تحافظ على قيافتهم في الصالة الفاخرة. ناقش المجتمعون وهو يؤشرون على شاشة الكترونية ظاهرة بيع الادوية على الرصيف وخطورتها على المستهلك، لاسيما وانها غير مفحوصة وربما منتهية الصلاحية وقيام بعض الافراد بشرائها، الكل اجمع على انها حالة خاطئة ويجب مكافحتها، كما اتفق المؤتمرون على ان من يشتريها جاهلا، ولكنهم لم يناقشوا ارتفاع اسعار الادوية في بعض الصيدليات لدرجة ان بعضهم يربح 500 بالمئة! ما يجعل المريض يبحث عن وسيلة "استعاضية " عن دواء الصيدلي.مؤخرا كانت لي تجربة لم ولن أنساها عن احد الأطباء، تعرفت خلالها على مزاج طبيب غريب جدا، وشاهدت حال الفقراء. الطبيب في منطقة الحارثية، وعيادته لا تتناسب مع الـ60 ألف دينار "الكشفية "، لكنه يضع ثلاثة "بودي كارد" حراسا شخصيين خارج الغرفة، وتمتلئ غرفة الاستقبال بمجموعة غريبة من التعليمات التي تقرأها أينما استدرت برأسك، تحذرك بعض التعليمات من إكثار الأسئلة للطبيب لان وقته ضيق، ويطلب منك ألا تبتعد عن مكتب السكرتير حتى لا تتهم بالسرقة! والأغرب أن أحد التعليمات يقول إن الطبيب لا يثق بتحاليل وإشعاعات أي مختبر سوى (مختبر ....) الذي يقع في الكرادة، وطبعا المسافة طويلة جدا بين الحارثية والكرادة، وذلك المختبر "الموثوق به " يأخذ مقابل أشعة "الرنين" 200 ألف دينار، والتحاليل لا تقل عن هذا المبلغ، كما يحذرك الطبيب بأن الدواء الموصوف في "الراجيتة" لا يصرف ألا من "الصيدلية ....." وإلا فإنه غير مسؤول عن النتائج، وأدوية الصيدلية تتراوح ما بين 300 الى 400 الف دينار ، كما يعطيك في التعليمات تهديدات مبطنة في حالة أخذك الدواء من صيدلية أخرى، بان سوف تزور الطبيب أكثر من مرة! طبعا كل هذه الإجراءات والنفقات لمدة شهر واحد، حيث يطلب من المريض أن يزوره في الشهر القادم، وتعاد المسرحية من جديد!
من داخل العراق: فقراء لا يدخلون الجنّة
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:13 م