حازم مبيضينجاء لجوء طيار سوري بطائرته إلى الأردن, ومنحه حق اللجوء السياسي, ليكشف حقيقة الدور الأردني في الأزمة السورية المتفاقمة, والتي تهدد بحرب طائفية إقليمية, بعد استعارها داخل الحدود السورية, رغم إنكار طرفي الصراع, وهو دور ظل ينأى عن التدخل المباشر في تلك الأزمة المأساة,
انطلاقاً من ظروف داخلية تدفعه لذلك الموقف شبه المحايد, رغم المحاولات الحثيثة من أطراف عدة لدفعه لموقف مغاير, وهو يدرك أن مراقبة شرر النيران المشتعلة عند حدوده الشمالية, لمنع انتشارها إلى أراضيه أسلم من اللعب بها, أو معها, منفذاً بذلك بشكل عملي سياساته المعلنة, حول عدم التدخل بالشأن الداخلي لأي من الدول العربية, سواء كانت قريبة أو بعيده. يسعى الأردن للتعامل مع المعضلة السورية الراهنة, باعتبارها أمراً سورياً داخلياً, مع أنها لم تعد كذلك, وبالرغم من هذا, فإنه لم يكن يملك غير خيار قبول طلب اللجوء السياسي, الذي تقدم به الطيار السوري الفار, سواء لدوافع إنسانية بحته, أو التزاماً بالقوانين والأعراف الدولية, السارية على الأحداث المشابهة, ولا نظن أن أحداً سيلومه على هذا الموقف, بمن في ذلك الحكومة السورية, التي وإن شعرت بالاستياء, فإنها تقدر وتتفهم موقف عمان, التي وجدت نفسها مجبرة على استقبال الطيار السوري, هذا إن تغاضينا عن سنوات طوال من العلاقات المتوترة, وإن بشكل خفي بين البلدين.استقبال الطيار السوري, ليس دليلاً على انخراط الأردن, فيما تعلنه دمشق عن المؤامرة الدولية, ضد نظام الحكم السوري, بقدر ما هو دليل على أن تطور الأحداث سيجبره بين فترة وأخرى, على اتخاذ مواقف قد يعتبرها البعض معادية أو غير ودية, لكن تطور هذه المواقف, سيظل رهناً بما ستؤول إليه الحالة الإنسانية للمواطنين السوريين, والتي لا يمكن التغاضي عنها, غير أن ما يلفت النظر هو تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة, بأن مسألة إعادة الميغ 21 الجاثمة اليوم في المفرق, هي قضية عسكرية تتولاها القوات المسلحة, وكأن هذه لا تقع تحت الولاية العامة للحكومة, التي منحت اللجوء السياسي للطيار, وتخلت عن دورها بضرورة إعادة طائرته إلى مالكيها, علماً بأن طراز هذه الطائرة القديمة لا يوحي بضرورة الاحتفاظ بها ولا لأي سبب, والمؤكد أن لا أحد يهتم بها غير دمشق.لم يكن متوقعاً أن تصمت دمشق, على لجوء أحد أفراد قوتها الجوية إلى خارج البلاد, لكنها أرادت أن يكون لردها أثر أكبر, حين أسقطت طائرةً عسكريةً تركيةً قرب حدودها, انطلاقاً من قناعتها بدور أنقره في الدعم الفعلي لمعارضي نظامها, ولتوجيه رسالة واضحة باستعدادها للمضي إلى آخر الشوط, حتى لو كان ذلك حرباً واسعة النطاق, يشارك فيها حلف الأطلسي, عبر البوابة التركية, لكنها مع ذلك تركت الباب موارباً, حين اعتذرت عن إسقاطها, على ما صرح به رئيس الوزراء التركي, وهي لم تلجأ للرد عند الحدود الأردنية, رغم أن ذلك يبدو أقل كلفةً, لأن الرسالة هناك أوضح, ولأنها تعرف أن الأردن لم يتدخل بشكل مباشر في أزمتها.السؤال اليوم, هل يظل الأردن قادراً على النأي بنفسه عن تداعيات الأزمة السورية, أم أن مصلحته التي تفرض عليه هذا الموقف اليوم ستدفعه إلى التغيير حفاظاً على تلك المصلحة وعلى شبكة علاقاته الدولية والإقليمية, سؤال سنظل ننتظر الإجابة عليه مع تطور الوضع في بلاد الشام, لكن المهم اليوم, أنه لا يمكن اعتبار تعامله مع قضية لجوء الطيار السوري تدخلاً في الأزمة, بقدر ما هو موقف مفروض, ولأنه لم يكن بالإمكان أبدع مما كان.
في الحدث: لجوء الطيار السوري.. ليس بالإمكان أبدع مما كان
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:35 م