سرمد الطائيالسلطات حسب وثيقة نشرها مرصد الحريات الصحفية، تطلب من الشرطة وقف عمل 44 وسيلة اعلام، لانها "مخالفة" للشروط. هيئة الاعلام والاتصالات تبعث بكتاب الى وزارة الداخلية، تعدد فيه 44 وسيلة اعلام بينها 8 بارزات على مستوى محلي ودولي، مثل راديو سوا وبي بي سي فضلا عن قناة البغدادية، وتقول ان هذه المؤسسات بلا رخصة او ان رخصتها تعرضت الى التعليق. السيد الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية يأمر "بعدم التعاون" مع هذه المؤسسات "وتوجيه الشرطة بعدم السماح لهذه القنوات..".
الحكاية تبدو وكأنها امر بإغلاق 44 عربة سندويتش، فبهذه السهولة تتجرأ السلطات وتصدر امرا للشرطة بمنع هذه المحطات عن العمل. وطبعا فإن الشرطة تسلمت الكتاب منذ نحو شهر، لكن الضباط لم يفهموا كيف يمكن ايقاف 44 مؤسسة اعلامية عن العمل؟ انها قضية لا يمكن حتى للشرطة ان يتخيلوها بعد كل اعوام الانفتاح الاعلامي الذي تعيشه البلاد.هيئة الاعلام والاتصالات من حقها ان تلاحق رخص العمل وتطلب تطبيق الشروط القانونية، لكن ان يفكر عاقل بإيقاف 44 وسيلة اعلام بينها محطات واذاعات مهمة، فهذا يجعلنا جميعا نشعر بالخوف من مستقبل نوايا السلطة. وهذا يجعل حتى ضباط الشرطة يمتنعون عن تنفيذ هذا الامر "غير المعقول".الكتاب الرسمي الذي اطلعنا عليه وقائمة وسائل الاعلام التي تضمنها، يمكن ان يتضمن غدا اي وسيلة اعلام في البلاد. وهو ما يجعلنا نشعر بالحاجة الى كبح جماح هذا كله.التظاهرة التي نظمها قادة بارزون في التيار الصدري يوم الاربعاء الماضي، اعتراضا على مضايقات تتعرض لها قناة البغدادية، كانت حدثا استثنائيا. بعض منظمي التظاهرة كان يقول للصحفيين ان الاعتراض القوي هذا "يهدف الى حماية جميع الصحفيين" من نوايا السلطة في التضييق على الصحافة، وهناك شعور بأن جميع الصحفيين باتوا معرضين لشتى الوان الضغط.ولعل هذه اول مرة يقوم فيها حزب سياسي بارز بالتظاهر من اجل حرية الصحافة، والتظاهرة تتزامن ايضا مع اول اصطفاف برلماني صريح ضد سياسات رئيس الحكومة نوري المالكي. الاعلام اصبح جزءا من معركة المالكي مع غرمائه، شاءت هيئة الاتصالات والاعلام ام ابت. وتوقيت صدور هذه الاشارات منها ومن الداخلية، وسط اقوى ازمة سياسية تشهدها البلاد، يعني ان الهيئة والداخلية قرروا ان يقوموا بتسوية مشكلات مع اكبر وسائل الاعلام، وسط اكبر ازمة سياسية، ولذلك فإن ضباط شرطة تحدثنا اليهم قالوا انهم لم يطبقوا القرار لانهم لم يتخيلوا كيف ينبغي منع صحفيين ينتمون لنحو 44 وسيلة اعلام، من العمل، وسط اكبر ازمة سياسية في البلاد.التظاهرة التي قادها اتباع الصدر الاربعاء، كانت اشارة الى ان معارضي المالكي في البرلمان لن يقفوا مكتوفي الايدي ازاء محاولته عرقلة 44 مؤسسة صحفية. المالكي وسلطاته المختلفة، قد لا ينوون اغلاق اي وسيلة اعلام، لكنهم ينوون ابلاغ كل وسيلة اعلام بأن السلطة قادرة على استخدام ذرائع شتى للي ذراع الصحافة التي تنتقد وتعترض وتوصل صوت الجميع. السلطة تعتقد ان على الصحافة ان تصبح مثل قناة العراقية المملوكة للدولة والتي اصبحت مملوكة للمالكي.هيئة الاعلام والاتصالات وبدل ان تسجل على قناة العراقية انها لم تقم مثلا بتغطية حدث كبير مثل اجتماع اربيل نهاية نيسان، او اجتماع النجف في 19 من ايار، فإنها تلاحق محطات فضائية بنصوص واشتراطات بات من المطلوب ان يجري نقاشها على اوسع نطاق بين الاوساط القانونية وخبراء البث والارسال وكبريات المؤسسات العاملة في البلاد.الكتاب الرسمي الذي يطلب من الشرطة "اجراء اللازم" مع ابرز المؤسسات الصحفية في البلاد، هو جرس انذار حقيقي حول ما يمكن ان يحصل في المستقبل. واذ اتمنى كعامل في الصحافة ان لا يجري زج الهيئة او القوات الامنية في رغبات السلطان بكبح جماح الصحافة، فإنني اجد ان الحوار العاجل بات ضروريا بين صحفيي العراق وهيئة الاتصالات، لنفهم ماذا يعني تعليق رخصة البث، وماذا تعني القدرة على اصدار طلب يمنع عمل 44 مؤسسة صحفية.حرية التعبير هي المنجز الوحيد في العراق، وهي نسبية جدا وتعاني من القيود اساسا. والشرطة يشعرون بالاستفزاز حين رؤية صحفي او كاميرا تلفزيونية حتى في الاماكن العادية. والامر قد يصبح بمثابة "مهزلة" في اي لحظة، ولا بد من موقف فوري لمحاولة فهم ما يجري، ووضع تعريف دقيق وحديث يحدد صلاحيات "السلطان" في التعامل مع الصحافة وهي "صاحبة الجلالة" دون شك.
عالم آخر: السلطان و"صاحبة الجلالة"
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:42 م