د. معتز محي عبد الحميدهل الحكومة ومؤسساتها الرسمية مسؤولة عن تنظيم وقت الفراغ؟..هل هي مسؤولية فردية؟.. أم مسؤولية مجتمعية؟ أياً كان، هذا يجعلنا جميعاً تحت طائلة المسؤولية تجاه أنفسنا ومن نعول عليه في المساهمة في تحمّل المسؤولية تجاه قضية الفراغ.
ويمكن أن يُعرّف الفراغ مجازاً على أنه مجموعة من الأعمال التي يقوم بها الإنسان بإرادته الشخصية، والتي يهدف من خلالها إلى الراحة أو التسلية أو المعرفة أو تنمية المواهب والقدرات، أو التفاعل المجتمعي، بعد الانتهاء من الالتزام الوظيفي، والأسري، والواجبات الاجتماعية الاعتيادية.الغالب الأعم أن كلمة فراغ في مفهومنا الاجتماعي، هي كلمة «سلبية» أو ذات مدلول «سلبي»، أو مترتب عليها آثار سلبية، وخاصة في ما يتعلق بالنشء، أو فئة الشباب؛ في سنوات المراهقة تحديداً، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بوقت الصيف، بحكم أن أغلب الطلاب في المدارس والجامعات واغلب المدرسين يتمتعون بالعطلة الصيفية التي تمتد الى اكثر من ثلاثة اشهر .وهناك اختلاف قائم في الكيفية التي يُنظر فيها إلى الفراغ؛ هل هو أي وقت حر، أم أنه الوقت الذي نتحرر فيه من التزامات العمل، أم هو كل شيء خارج الالتزامات الرسمية والاجتماعية. ومعلوم أن استغلال وقت الفراغ يعتمد على ثقافة الإنسان، ونوعية العمل الذي يقوم به، والعائد من هذا الاستغلال بالنفع.وحسبما يشير البعض، فإن هناك فرقاً واضحاً، ما بين مفهوم الفراغ كوقت، وبين معنى الترويح. فالترويح ضرورة من ضرورات الاستمرار في العمل والتكيف مع الحياة. أما الفراغ المجرد، كما قلنا سابقاً، فقد يكون عاملاً سلبياً، وعاملاً من عوامل التفكك للشخصية وانحلالها.ولهذا دعا كثير من علماء النفس والاجتماع إلى ضرورة المزج ما بين ممارسة العمل وممارسة الهوايات في وقت الفراغ، والترويح عن النفس، وإيجاد التوازن والاعتدال في حياة الإنسان.ويرتبط الفراغ بقيم وسلوكيات اجتماعية، ويتأثر بالنظام الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، فمجتمع الرفاه والوفرة المالية، قد يرتبط ببعض أفراده النفور من العمل، أو ممارسة هوايات أو أعمال نافعة أو ذات أهمية حيوية، لغياب الحاجة المادية، وثقافة أو فن الاستمتاع المفيد.كذلك المجتمعات الفقيرة، قد تجد فيها سلوكيات وقيماً مرتبطة بالفراغ والفقر، والتي قد تنتج عنها سلوكيات اجتماعية سلبية هي الأخرى.وفي كل الظروف والأحوال، هناك حاجة إلى تحمّل المسؤولية المجتمعية تجاه معالجة قضية الفراغ، وتوجيه أفراد المجتمع وتحفيزهم إلى مسألة الاستثمار الأمثل لوقت الفراغ، بما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع والفائدة.دولياً قضية الفراغ تحظى باهتمام كبير، وتعتبر قضية عالمية، حيث صدر عن (المنظمة العالمية للفراغ والترويح) سنة 1970 وثيقة خاصة تحت مسمى «ميثاق الفراغ» Charter for Leisure ملخصها في أهمية الاستفادة القصوى من أوقات الفراغ وتطوير أساليب الاستفادة الشخصية والجماعية، وتؤكد الوثيقة أن استثمار وقت الفراغ هو مسؤولية الأفراد والمجتمع والسلطات الرسمية لخلق نظام اجتماعي خلاّق للإنسان.وتذكر الوثيقة أن الفراغ والترويح يخلقان أسساً ملائمة للتعويض عن كثير من المطالب التي تفرضها الحياة على الإنسان، ويتيحان فرصة إثراء الحياة من خلال المشاركة في الاسترخاء، والرياضة، والاستمتاع بالفن والعلم والطبيعة، وتتيح أنشطة الفراغ للإنسان فرصة تنشيط مواهبه الأساسية ونمو قدراته الإدارية والذكاء والشعور بالمسؤولية.ومن أبرز بنود هذه الوثيقة: أن لكل إنسان الحق في أن يكون له وقت حر، بالإضافة إلى أن لكل فرد الحق في استخدام منشآت أوقات الفراغ المخصصة للناس، كذلك من حق كل فرد أن تتهيأ له سبل ممارسة الأنشطة الترويحية في أوقات فراغه، وكذلك لكل فرد الحق في تعليم واكتساب المهارات الترويحية، حتى يتمكن من استثمار وقت فراغه.
تحت المجهر: الحكومة ومسؤولية تنظيم وقت الفراغ
نشر في: 15 يوليو, 2012: 07:50 م