بغداد/ يوسف المحمداوي وصل سمير إلى مطار القاهرة عند منتصف الظهيرة، وفور وصوله استأجر سيارة أجرة، وما أن جلس على المقعد حتى تسابقت وتراقصت كلمات الترحاب والألقاب على لسان السائق، "أهلا يا باشا، نورت مصر يا دكتور، يفندم، يبيه، أحلامك أوامر يا سيدي"، قطع الحديث وتناول سمير مفكرة خضراء
جميلة بورق مصقول، كتب عليها "يقيم المجلس الأعلى للثقافة وبرعاية وزارة الثقافة البرنامج الفني الخاص بفعاليات شهر رمضان الكريم وفي جميع محافظات الجمهورية وتستمر الفعاليات من الأول منه ولغاية نهايته والدعوة عامة".طوى سمير المفكرة في جيب حقيبة الحاسوب، وراح يمتع نظره بالمروج الخضراء والحدائق الغناء الممتدة على طول الطريق المؤدي للعاصمة، ورغم فرحته بمتعة المشهد تحسر على بغداده التي أذلها خراب الساسة، تذكر ساحة عباس بن فرناس حين تصبح نقاط تفتيشها وجدران بنايتها عبارة عن لوحة خالصة داخل زنزانة من الكونكريت، رسمتها العواصف الترابية التي أصبحت عنواناً رئيسياً للجو العراقي ما بعد التغيير، هزّ كف ضميره مستهزئاً وهو يردد مع النفس عنوان بغداد الجديد "تراب وخراب وإرهاب، ويسألونك عن يوم الحساب"؟!صحا من وجعه على صوت السائق وهو يقول له "دي محطة المعادي للمترو يبيه، في حد يستناك يباشا؟"، وما أن أكمل حديثه حتى ظهر شقيق سمير من احد الأزقة، دفع الأجرة التي لم تتجاوز الـ(50) جنيها مصريا أي ما يعادل بالعراقي بحدود عشرة آلاف دينار، ولفترة زمنية تقدر بساعة كاملة، في حين أن نصف تلك الفترة هي التي تفصل بغداد عن مطارها، وسعر سيارة الأجرة فيها بحسب تسعيرة وزارة النقل (75) ألف دينار، كما ذكر سمير لشقيقه أمير تعليقاً على ثمن الأجرة الزهيد الذي دفعه، رد أمير ضاحكا وهو يحمل الحقيبة "لو صعدت المترو لدفعت جنيها مصريا واحدا"، ثم قال "سموري مترو بغداد شوكت"؟!دخل الشقيقان وبعد سويعات نهض سمير باتجاه التلفاز ليتابع أخبار الوطن المبتلى، عبوات ناسفة، اغتيالات، احتقان سياسي، خبر يقول بأمر من دولة رئيس الوزراء يمنع إقامة أية نشاطات فنية خلال شهر رمضان، هرع سمير باتجاه المفكرة التي أعطاها له السائق المصري ليطلع على محتوياتها، ليصعقه ما ورد فيها في ظل حكومة الإخوان مقارنة بما ورد من محرمات حكومتنا"، مركز الإسكندرية للإبداع يقدم مسرحية شعرية بعنوان الحب والثورة، فرقة النيل للآلات الشعبية، فقرة غنائية للفنان بلال الشيخ، عرض اوبريت الليلة الكبيرة، غناء للفنانة آمال، عازفات بيت العود العربي، مقامات مصرية للكنيسة المصرية، الفنان احمد الحجار وعلي عفيفي، عرائس، ندوة بعنوان الصحافة المستقلة، ورشة الفنون التشكيلية، ورشة ذوي الاحتياجات الخاصة، ورشة التصوير، معرض الخط العربي، معرض الحرف التقليدية، معارض الكتاب، فرقة عيون للفنان العراقي نصير شمه...، "أغلق سمير المذكرة والتلفزيون والفرح". لكن أمير اختصر عليه الهم قائلا: "سموري نحن لا نفرح حتى في الأعياد، فمن يسمح لنا بأن نفرح في رمضان"؟ملاحظة: تقام جميع الفعاليات عند الساعة التاسعة والنصف مساءً وطيلة أيام رمضان، وما ورد في برنامج المفكرة هو عشرة أضعاف ما ذكره كما يقول سمير!!!
العراق ومصر وما بينهما في رمضان..لوعة سمير ما بين حرام المالكي وحلال الإخوان
نشر في: 15 يوليو, 2012: 09:08 م