TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:فظائع بلا حدود

أحاديث شفوية:فظائع بلا حدود

نشر في: 15 يوليو, 2012: 09:11 م

 احمد المهنا الحقيقة التي لا شك فيها هي أن السلطة التي تقاوم من أجل بقائها في سوريا هي "سلطة الفرد"، أو سلطة الدكتاتور. والحقيقة المقابلة لها هي أن الشعب في سوريا بدأ، منذ 16 شهرا، احتجاجا متعدد الأشكال، مأساويا وبطوليا، ولا رجعة فيه، من أجل القضاء على نظامه الحاكم بسلطة الفرد.
المفهوم أن يذهب الدكتاتور الى أبعد الحدود في الدفاع عن سلطته. أما الجديد، غير المفهوم على نحو كاف، فهو ذهاب الشعب السوري الى ابعد الحدود ايضا في الهجوم على الدكتاتور. فاذا أخذنا الصورة من منظور النظام الجلاد والشعب الضحية، نرى ان الجلاد لا يخسر في هذه المعركة شيئا كبيرا. هو فقط يزيد عيار البطش والتدمير والتعذيب. وكل هذه الأساليب كانت موجودة قبل "الانتفاضة" السورية، بدرجة أو أخرى. ذلك أن سلطة الفرد لا تقوم ولا تعمل ولا تستمر من دون البطش بحقوق الشعب.أما تحرك الضحية ضد سلطة الفرد، كما نرى في سوريا، فانه يحمل الشعب أثمانا مريعة، من التنكيل والتعذيب والاغتصاب الى القتل وتدمير البيوت والممتلكات والأرزاق والتهجير. وبمقدار ما يستمر ارتكاب هذه الفظائع يستمر الشعب في مقاومتها. وتنجح هذه المقاومة في اضعاف سلطة الفرد، وتقليص نفوذها وهيمنتها على الأرض.والقاعدة على مر التاريخ تقول أن الأنظمة الحاكمة بسلطة الفرد تستطيع الحفاظ على نفسها من خلال ارتكاب الفظائع. فمن شأن أعمال القسوة التي لا حدود لها ان تشل الشعب، وتفقده القدرة على التحرك والتنظيم والمبادرة. ولكن هذه ليست قاعدة ذهبية، تعمل في كل وقت وطوال الوقت. بل انها مشروطة. ان الفظائع كلها شر. ولكن منها "الجيد" ومنها "السيء" بمقياس الحفاظ على السلطة. وبهذا المقياس فإن أعمال الفظائع "الجيدة"، على رأي "المعلم" مكيافيلي، هي تلك التي ترتكب مرة واحدة من أجل أن يوفر الحاكم الأمن لنفسه، "ثم لا يتمادى فيها بل يحل محلها اجراءات تعود بالنفع على الرعايا قدر الامكان". أما الفظائع "السيئة" فهي "الأفعال التي تكون في بادىء الأمر قليلة، ولكنها، مع الزمن، تزيد ولا تنقص".هذه "العبرة"، عبرة استخدام الفظائع دفعة واحدة، ومن ثم الاستعاضة عنها بعد استتباب الأمن، بأعمال تعود بالفائدة والكرامة للشعب، لم يأخذ بها الدكتاتور العربي اطلاقا. وكان هذا وجها مميزا للغاية من وجوه ما عرف بالاستثناء العربي. ان ستالين وفرانكو وبينوشيت لا يشبهون صدام والقذافي وبشار. الأولون فظائعيون "بحساب". جماعتنا فظائعيون من دون حساب أو حدود. والفرق واضح وجلي في نتائج النمطين المختلفين من الحكم. فقد خلف "الفظائعيون بحساب" قواعد بناء متطورة في بلدانهم. بينما لم يورث "الفظائعيون بلا حساب" شعوبهم سوى العدم. ستالين نقل روسيا من حراثة الأرض وحماية الوطن بالمعول والفرسان الى الجرافة والقنبلة الذرية. بينما لم يخلف صدام شيئا صحيحا واحدا في الهيكل العظمي للعراق.ان لكل أداة عمرا تشغيليا تنتهي بعده صلاحيتها. وكذلك الفظائع. وهي في حالة شعب سوريا اليوم تعطي مفعولا معاكسا. انها تلهب الاحتجاج بدل الرضوخ. وتزيد المقاومة بدل الاستسلام. وهي مقاومة يسجل بها شعب سوريا أعظم ملحمة عربية في القضاء على الفصل الأخير من تراجيديا "فظائع بلا حدود".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram