د. معتز محي عبد الحميد الجريمة سلوك إنساني، تتطور كلما تطور الإنسان، فهي بالتالي لا تقف عند حد معين من التطور، ولهذا صار أمراً بديهياً أن يسعى الإنسان إلى البحث والتنقيب لمكافحتها وكبح جماح المجرمين، ولكن من المؤكد أن المنع المطلق للجريمة يعتبر مستحيلاً.. إلا أنه يمكن الحدّ منها، وكلما بُذل المجهود وسُخِّرت الإمكانات؛ أدى ذلك إلى التقليل من النشاط الإجرامي.
وهكذا ظلت الجريمة في ديمومة لا يحدها زمان ولا مكان، وكان ذلك مدعاة للمجتمع أن يشن عليها حرباً شعواء قبل وأثناء وبعد حدوثها، ولما كان الأمر كذلك تطور البحث لإيجاد الوسائل الناجعة لمكافحة الجريمة، ويجب أن تكون تلك الوسائل فعَّالة. من هنا كان لا بد من إنشاء إدارة تعنى بمتابعة ورصد تطور الجريمة، بل وضع المجرمين تحت بؤرة الرقابة على مدار الساعة والربط الدقيق بالمتغيرات التي تحدث من وقت لآخر - لذلك أنشأت الدول المتحضرة (إدارة الرقابة الجنائية) التي تعمل في انسيابية تامة وترابط وتعاون مع بقية اجهزة الشرطة في رصد ومراقبة المجرمين والخارجين على القانون وإلى أبعد الحدود. فقد كان لزاماً والتزاماً أن تتكاتف أسرة الإدارة لتحقيق غاية واحدة هي شن حرب ضارية على الجريمة، والإدارة ليست سيفاً مسلطاً على الرقاب بل هي أنبل وأعظم هدف، لأنها تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الأمنية المنوط بها الحفاظ على الأرواح والممتلكات والأعراض، وهي الذراع النافذة للقوة في بسط الأمن والأمان، من خلال عمل منهجي وعلمي وظِّفت له أفضل الكفاءات خبرة في بلورة وفك شفرات القضايا الشائكة، التي تجد كل الاهتمام والتحليل الدقيق والدراسة المتأنية والغوص في الأساليب الاجرامية، لاستجلاء الطلاسم بصورة تندمج فيها المثابرة مع الإبداع، في عمل متناغم يبهر الناظرين إلى هذا الإنجاز الحضاري، الذي يجمع بين تقنية العصر والتجربة المصقولة، لمجاراة كل ما يحدث من تقدم، والذي يتطلب التفاعل البنَّاء للوصول إلى ما ينفع الناس. ولعل ما يظهر للعيان ويتجلى في مشهد بديع يحتوي على تركيب الصورة للوصول إلى الحقيقة، حيث يقوم فريق بالبحث اعتماداً على تسخير التكنولوجيا والخبرة التي صقلتها سنوات من العمل الدؤوب دون كلل أو ملل، وثمة فريق آخر يقوم عناصره بدراسة وتحليل البيانات المتاحة لاكتشاف مكامن الخطر، وذلك حتى يتسنى لمن يعمل ميدانياً المتابعة والمراقبة وتنفيذ الجوانب العملية من التوجيهات، وقد يصل هؤلاء إلى بداية الطريق وهم مطالبون بأن يسيروا فيه حتى النهاية، لتحقيق الغاية المنشودة. كما أن التواصل مع ضحايا الجريمة يقدم أفضل الخدمات لأصحاب الحاجات تحقيقاً لشعار «الشرطة في خدمة الشعب» وأخيرا، فإن كل الجهود التي تبذلها الإدارة والأساليب العلمية التي تحرص على تطبيقها كانت وستظل بمثابة الدافع لكل المطلعين والباحثين على تجربة الدول المتقدمة بالإنجازات التي تحققت، بل أكثر من ذلك، وقد أبدى الكثيرون ونحن منهم رغبتهم في نقل التجربة كاملة الى الشرطة العراقية لتطبيقها والاستفادة من اهداف هذه الادارة . ومما لا شك فيه، أن للجريمة مقومات أربع هي: المجرم والضحية والزمان والمكان. لذلك دأبت إدارة الرقابة في سعيها الحثيث للتوصل لأفضل الممارسات التي تحول دون وقوعها، وذلك بالاستفادة التامة من كل تلك العناصر واتخاذ التدابير الممكنة من توعية وتحذير وتحليل لما يتوفر من معلومات بالإضافة إلى التواصل مع الضحية، ليتسنى اقتفاء أثر الجريمة والحيلولة دون وقوعها، والوصول إلى الحقيقة، وهذه لا تُدرك إلا بشق الأنفس ..
تحت المجهر:محاربة الجريمة.. وإدارة الرقابة الجنائية
نشر في: 16 يوليو, 2012: 06:55 م