أوس عزالدين المانع الهوية الوطنية تمثل هوية اجتماعية تعبر عن نزوع عميق لتقدير الذات ، وتتصف بالمرونة والتلقائية والنسبية على صعيد الحركة ، فهي آلية دافعية - معرفية – اجتماعية تسهم في تحقيق الأمن النفسي والاستقرار الانفعالي للإنسان من خلال تعزيز شعوره بالمكانة والاحترام والكرامة ، والمنبثق من إيجاد صورة الذات الإيجابية ومفهوم الذات الإيجابي له .
وتشكل دراسة الهوية الوطنية ، بهذا المعنى ، في اللحظة التاريخية الراهنة في المجتمع العراقي ضرورة علمية وإنسانية تتجاوز وظيفة التشخيص المجرد إلى وظيفة التنوير ، أي بمعنى تأصيل الوعي العلمي بالمحاور الجوهرية في حياة الشعوب ، من ناحية ، وممارسة خطرة تتناول قضية إشكالية تمس خطابات فكرية وسياسية ودينية وإعلامية من ناحية أخرى ، إلا إن الناحية الأولى تتفوق على الناحية الثانية لتدفع باتجاه المغامرة المدروسة الموضوعية ، حيث تمثل الهوية الوطنية العراقية أبرز وأعقد الملفات ، ويمكننا القول بأنها القضية الجوهرية في الواقع العراقي ، حيث نجد حضورها المكثف في الحوارات واللقاءات الفكرية والسياسية والاجتماعية ، والبرامج والكتابات في الصحف والمجلات والكتب والندوات الخاصة بالشأن العراقي ، وكذلك في أحاديث المواطن العراقي في الشارع ، وكل ذلك يكشف لنا عن ثقل وقوة هذا الموضوع .كما أن قضية الهوية الوطنية ، غير متخصصة بالعراق فقط ، إذ تمثل وكما يقول (( صموئيل هنتنغتون )) بأنها ظاهرة عالمية ، فنحن نعيش كما يشير (( مارسيل غوشيه )) في (( عصر الهويات )) ،إذ نجد الناس في كل مكان يطرحون هذا الموضوع ، فاليابانيون يتنازعون على ما إذا كان موقعهم وثقافتهم تجعلهم آسيويين ، أو أن ثروتهم وديمقراطيتهم وحداثتهم تجعلهم غربيين ، وقد وصفت إيران بأنها أمة تبحث عن هوية ، وجنوب إفريقيا بالانشغال في البحث عن الهوية ، وقيل إن الصين تبحث عن هوية وطنية لها ، وكندا تواجه أزمة هوية مستمرة ، وتركيا أزمة هوية فريدة ، وروسيا أزمة هوية عميقة .فما هو الواقع الهوياتي في العراق ؟ فهل يمكننا القول بوجود هوية وطنية عراقية في سياق هذا الطرح لانبثاق وهيمنة الهويات الفرعية له ؟ وهذا سؤال إشكالي ، وقد تنوعت الإجابات المقدمة عليه تبعاً لتعقيد ودقة الواقع العراقي وتنوع وتباين المنظورات والمقاربات ، ولا سيما في اللحظة التاريخية الراهنة ، إذ نفض العراق عنه حوالي نصف قرن من الحكم العسكري والتسلطي ، فورث إرثاً شائكاً من الحروب المدمرة والعقوبات الكاسحة وسوء الحكم وسوء الإدارة وحكم الأسرة والفساد ، حيث أدت كل هذه الظروف إلى استنزاف الموارد المختلفة ودمار المجتمع المدني وإضفاء الطابع الشخصي على مؤسسات السلطة كافة ، والتي تعاني أزمة هوية طاحنة ، وهو يعمل الآن باتجاه إقامة الديمقراطية ، التي يتمثل شرطها الأساسي بوجود هوية وطنية ، التي يتجلى دورها في بناء الأمة وإقامة الدولة الوطنية وتأسيس الأحزاب الوطنية وتوجيه سلوك الناخب وفقاً للمنطق السياسي .فبين القول بوجود أزمة وتفتت شامل للهوية الوطنية العراقية ، وبين القول بوجود هوية وطنية عراقية شاملة ومتماسكة بفعل تاريخ طويل ومشترك من الثورات والحروب والمؤسسات الجماعية ، التي يندرج فيها العديد من القراءات ، بعضها يبرز تعايش أديان وطوائف ومذاهب عديدة في العراق ، متقاربة تارة ومتنافرة تارة أخرى ، فالصابئة المندائيون مثلا عاشوا مئات السنين بين المسلمين الشيعة في الجنوب ، وكان وجودهم في ظل العشائر أكثر بكثير من وجودهم في ظل الدولة المركزية .والملاحظ أن أغلب هذه القراءات ذات طابع سياسي ، إذ نرى في العملية السياسية والفعل السياسي تعبيراً عن أهمية الهوية ، كما يلاحظ أن أغلبها ذات طابع نخبوي ، أي بمعنى قراءة الهوية من خلال الحراك النخبوي ، وباندماج الطابعين السياسي والنخبوي تمّ تغييب الإنسان العراقي بكل وجوده الفكري وكينونته المعرفية والانفعالية.
البحث عن هوية وطنية
نشر في: 16 يوليو, 2012: 07:00 م