TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > البحث عن هوية وطنية

البحث عن هوية وطنية

نشر في: 16 يوليو, 2012: 07:00 م

أوس عزالدين المانع الهوية الوطنية تمثل هوية اجتماعية تعبر عن نزوع عميق لتقدير الذات ، وتتصف بالمرونة والتلقائية والنسبية على صعيد الحركة ، فهي آلية دافعية - معرفية – اجتماعية تسهم في تحقيق الأمن النفسي والاستقرار الانفعالي للإنسان من خلال تعزيز شعوره بالمكانة والاحترام والكرامة ، والمنبثق من إيجاد صورة الذات الإيجابية ومفهوم الذات الإيجابي له .
وتشكل دراسة الهوية الوطنية ، بهذا المعنى ، في اللحظة التاريخية الراهنة في المجتمع العراقي ضرورة علمية وإنسانية تتجاوز وظيفة التشخيص المجرد إلى وظيفة التنوير ، أي بمعنى تأصيل الوعي العلمي بالمحاور الجوهرية في حياة الشعوب ، من ناحية ، وممارسة خطرة تتناول قضية إشكالية تمس خطابات فكرية وسياسية ودينية وإعلامية من ناحية أخرى ، إلا إن الناحية الأولى تتفوق على الناحية الثانية لتدفع باتجاه المغامرة المدروسة الموضوعية ، حيث تمثل الهوية الوطنية العراقية أبرز وأعقد الملفات ، ويمكننا القول بأنها القضية الجوهرية في الواقع العراقي ، حيث نجد حضورها المكثف في الحوارات واللقاءات الفكرية والسياسية والاجتماعية ، والبرامج والكتابات في الصحف والمجلات والكتب والندوات الخاصة بالشأن العراقي ، وكذلك في أحاديث المواطن العراقي في الشارع ، وكل ذلك يكشف لنا عن ثقل وقوة هذا الموضوع .كما أن  قضية الهوية الوطنية ، غير متخصصة بالعراق فقط ، إذ تمثل وكما يقول (( صموئيل هنتنغتون )) بأنها ظاهرة عالمية ، فنحن نعيش كما يشير (( مارسيل غوشيه )) في (( عصر الهويات )) ،إذ نجد الناس في كل مكان يطرحون هذا الموضوع ، فاليابانيون يتنازعون على ما إذا كان موقعهم وثقافتهم تجعلهم آسيويين ، أو أن ثروتهم وديمقراطيتهم وحداثتهم تجعلهم غربيين ، وقد وصفت إيران بأنها أمة تبحث عن هوية ، وجنوب إفريقيا بالانشغال في البحث عن الهوية ، وقيل إن الصين تبحث عن هوية وطنية لها ، وكندا تواجه أزمة هوية مستمرة ، وتركيا أزمة هوية فريدة ، وروسيا أزمة هوية عميقة .فما هو الواقع الهوياتي في العراق ؟ فهل يمكننا القول بوجود هوية وطنية عراقية في سياق هذا الطرح لانبثاق وهيمنة الهويات الفرعية له ؟ وهذا سؤال إشكالي ، وقد تنوعت الإجابات المقدمة عليه تبعاً لتعقيد ودقة الواقع العراقي وتنوع وتباين المنظورات والمقاربات ، ولا سيما في اللحظة التاريخية الراهنة ، إذ نفض العراق عنه حوالي نصف قرن من الحكم العسكري والتسلطي ، فورث إرثاً شائكاً من الحروب المدمرة والعقوبات الكاسحة وسوء الحكم وسوء الإدارة وحكم الأسرة والفساد ، حيث أدت كل هذه الظروف إلى استنزاف الموارد المختلفة ودمار المجتمع المدني وإضفاء الطابع الشخصي على مؤسسات السلطة كافة ، والتي تعاني  أزمة هوية طاحنة ، وهو يعمل الآن باتجاه إقامة الديمقراطية ، التي يتمثل شرطها الأساسي بوجود هوية وطنية ، التي يتجلى دورها في بناء الأمة وإقامة الدولة الوطنية وتأسيس الأحزاب الوطنية وتوجيه سلوك الناخب وفقاً للمنطق السياسي .فبين القول بوجود أزمة وتفتت شامل للهوية الوطنية العراقية ، وبين القول بوجود هوية وطنية عراقية شاملة ومتماسكة بفعل تاريخ طويل ومشترك من الثورات والحروب والمؤسسات الجماعية ، التي يندرج فيها العديد من القراءات ، بعضها يبرز تعايش أديان وطوائف ومذاهب عديدة في العراق ، متقاربة تارة ومتنافرة تارة أخرى ، فالصابئة المندائيون مثلا عاشوا مئات السنين  بين المسلمين الشيعة في الجنوب ، وكان وجودهم في ظل العشائر أكثر بكثير من وجودهم في ظل الدولة المركزية .والملاحظ أن أغلب هذه القراءات ذات طابع سياسي ، إذ نرى في العملية السياسية والفعل السياسي تعبيراً عن أهمية الهوية ، كما يلاحظ أن أغلبها ذات طابع نخبوي ، أي بمعنى قراءة الهوية من خلال الحراك النخبوي ، وباندماج الطابعين السياسي والنخبوي تمّ تغييب الإنسان العراقي بكل وجوده الفكري وكينونته المعرفية والانفعالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram