 عواد ناصر فالديمار فنتورا هو فراش في مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في المكتب الشهير، عالمياً ومحلياً: 10 داونينغ ستريت. عندما أبلغ فالديمار فنتورا بأنه سيعمل في هذا المكان الفاخر، والحساس، داعبته مشاعر لذيذة بأنه سيكون مقرباً من الحكومة، وربما سيحصل على الكثير من المكافآت والإكراميات السخية، لأنه سيكون على مقربة من أعلى قيادة في الدولة، بيدها الحل والعقد،
بل سيشاهد بأم عينيه رئيس الوزراء وهو يتمخط أو يذهب إلى التواليت، لكن شيئاً من هذا لم يحدث عدا أنه شاهد السيد ديفيد كاميرون، رئيس مجلس الوزراء، يوماً ما، في حديقة المقر الحكومي.فنتورا (44 عاماً) أب لطفلين (إينيو 22 عاماً وإنفالدي 10 أعوام) يعاني من ضائقة مالية شديدة، فأجره لا يتعدى ستة جنيهات وتسعة وخمسن بنساً، في الساعة، وهو يعمل ستة أيام في الأسبوع، لكن مواظبته على العمل لم تحسن من وضع أسرته، فاضطر إلى استدانة قرض مصرفي، بفائدة عالية.بولا، زوجة فنتورا، هي الأخرى تعمل منظفة في مكتب رئيس الوزراء، سبق لها أن طالبت بزيادة أجورها. سلمت أحد وزراء حزب المحافظين، فرنسيس مود، رسالة تعلمه فيها بتدني أجور عمال النظافة.إنفيلدي، الابن الأصغر، لم يتمكن من مرافقة أصدقائه وزملائه للتمتع برحلات مدرسية إلى حديقة الحيوان، مثلاً، أو أية أماكن ترفيهية أخرى، لأن أبيه لا يملك ثمن تكاليف هذه الرحلات.إنفيلدي: أبي! أنت تعمل بجد وتكد كثيراً، ربما أكثر من رئيس الوزراء، فلماذا لا تملك مالاً، وأنا لا أستطيع الذهاب مع أصدقائي إلى حديقة الحيوان؟فنتورا مواطن أنغولي، كان جندياً، سابقاً، جاء إلى بريطانيا منذ عقد من الزمن حالماً ببناء حياة أفضل لأسرته. لغته الإنكليزية سيئة لأنه لا يجد الوقت الكافي كي ينتظم في مدرسة أو كورس لتعلم اللغة: يمكنني أن أقول، ببساطة، إنني لا أجد الوقت الكافي للدراسة لأنني أعمل، لكن يستحيل عليّ أن أقول: لا يمكنني العمل لأنني أدرس اللغة!إنهم يعرفون، يا سيد فنتورا، أن ما تنظفه من قاذورات الحكومة لا يمثل شيئاَ من قاذوراتها الحقيقية التي هي أقذر وأكبر بكثير مما تجده، أنت، على الطاولات والمكاتب والمراحيض.يضع فانتورا رأسه على المخدة بعد يوم عمل شاق نظف فيه ما يمكن تنظيفه من قاذورات الحكومة ويفكّر: السيد كاميرون، وكذلك السيد كريج، يبدوان على ألطف ما يكون عليه المرء وهما يظهران على شاشات التلفاز، وفي المؤتمرات الصحفية، بل حتى عندما يتنزهان مع عوائلهما ويلعبان مع أطفالهما، ثم هما ملتزمان بالقانون. ألم يشاهد الناس المستر كاميرون وهو يقف بالدور، عشر دقائق كاملة، منتظراً ليحصل على فنجان قهوة في أحد المقاهي؟ثم يفكر، مجدداً: لكنهما على غاية السوء عندما يتعلق الأمر بالمال!يعبث فنتورا بأنفه وهو في سريره فينهض ليغسل يديه: إنني أشم قاذورات الحكومة على أصابعي.تدخل بولا، زوجته، وتتمتم كأنها تحدث نفسها: كأنك لم تسمع بأزمة اليورو، ولم تأبه بالانهيار الوشيك للاتحاد الأوربي، ولا تقلقك أزمة اليونان، وما زلت تسرف كثيراً في استعمال مواد التنظيف.. هل قترت، يا رجل، كي نوفر بعض البنسات للدولة؟بولا، أنت تمزحين؟لا، أنا جادة فوق العادة، يا فنتورا!تندس بولا إلى جانبه في السرير، لكنه يدير ظهره للمرأة القلقة على مصير الاتحاد الأوربي.يحاول فنتورا النوم لأن عليه أن ينهض باكراً ليواصل تنظيف قاذورات الحكومة، وإن بأجر زهيد.