سرمد الطائيليست هي المرة الاولى التي اطالع فيها مسودة قانون جرائم المعلوماتية التي ارسلها السيد نوري المالكي الى البرلمان لغرض تمريرها، لكنها هذه المرة اثارت في رعبا حقيقيا. للحظة تخيلت ان من الممكن ان اتحول الى محكوم بالسجن المؤبد وفق مادتين من القانون.
ومسودة القانون تتضمن باختصار 13 حكما بالسجن المؤبد، ونحو 50 سببا لذلك. كما تتضمن 58 حكما بالسجن غير المؤبد تبدأ من 15 عاما وتنتهي بثلاثة شهور.واسباب السجن المؤبد عديدة وبعضها مشروع، مثل تلك التي تتعلق بمن يستخدم الانترنت لتنفيذ عمليات ارهابية وعنفية، وبعضها بحاجة الى نقاش لجهة حجم العقوبة الرهيب، وهي تلك المتعلقة بالتداولات المالية والتجارية، اذ يمكن التفكير بروادع من نوع آخر بدل ان نقفز مباشرة الى عقوبة سجن مؤبد لمن حاول التلاعب ببيانات البورصة.وعلى اي حال فإنني لست ممن يصنعون العبوات الناسفة على الانترنت كما لا افهم بالبورصة ولا اتخيل انني سأتعامل بأسهمها او بياناتها، وما يهمني من كل القانون كصحفي وكاتب، هو مادتان تتوعدان بالسجن المؤبد، من ينشئ موقعا الكترونيا مخالفا للنظام، ومن يستخدم حاسوبه الشخصي للاساءة لسمعة البلاد.وانا متأكد ان هناك اكثر من طرف نافذ في الحكومة يمكن ان يحكم على امثالي بأننا نكتب في مواقع الكترونية مخالفة للنظام.ان شخصا يطمح الى استنساخ السيد نوري المالكي عبر تقنية الثورة الجينية، يمكنه ان يعتبر موقع جريدة المدى مخالفا للنظام.كما ان كتلة برلمانية لا تستحي من سجن الصحفيين وضربهم في استخبارات الدفاع كما حصل مع الشهيد هادي المهدي ورفاقه في 25 شباط، يمكنها ان تحكم بالسجن المؤبد على امثالي الذين يستخدمون حواسيبهم الشخصية لكتابة اشياء "تسيء لسمعة البلاد"، فهم مؤمنون بأن الشكوى من وجود استبداد وتشدد وتخلف ورجعية وهدر وفساد مالي، هي امور "تسيء لسمعة البلاد"، ويمكن ان نجد انفسنا في حبس مؤبد لاننا نكتب في الجرائد وعلى فيسبوك، اشياء من هذا القبيل.ان وجود 13 سببا للسجن المؤبد و58 حكما بسجن غير مؤبد، في قانون يريد ان ينظم استخدام الانترنت والكومبيوتر، هو امر مثير للرعب بحد ذاته. لكن الاكثر اثارة للرعب هو استخدام العبارات الفضفاضة الخالية من تفسير، لتشريع هذه الاحكام.وأسمع من خبراء التشريع ان الاحكام يجب ان تكتب بتعريفات واضحة، كي نقطع الطريق امام اي حاكم يشتهي الاستبداد، ونمنعه من محاولة استخدام العبارات الفضفاضة في قمع الجمهور، لان اي قاضي تحقيق يحب السلطان يمكنه ان يتهم الجمهور العزيز بأنه يسيء الى سمعة البلاد. وهل تركتم لبلادنا سمعة يا سادة؟ولا اريد لا سمح الله ان اتهم السلطان اليوم بأنه ممن يشتهون قمع الناس، لكنني اتحدث عن اي سلطان محتمل يمكنه غدا ان يقوم بالحكم على السيد نوري المالكي بالسجن المؤبد، لانه اعترض على انتشار القمامة في مسقط رأسه، وقد يفسر هذا بوصفه اساءة لسمعة الفرات الاوسط قد تضر بالسياحة الدينية.ان عبارات "الاساءة لسمعة البلاد" او "الاخلال بالنظام العام" لغم حقيقي يمكنه ان يصادر كل حرياتنا اذا تضمنه قانون يصدر عن حكومة العراق. وللمرة الالف اتساءل عن نوع مستشاري السيد رئيس الحكومة الذين يضعون في تشريعاتنا هذا اللون من الالغام التي تهدد بوضع امثالي في حبس الى الابد. حيث لا فيسبوك ولا جرائد ولا اذاعات نتحدث عبرها في انتقاد كل الوان الفشل التي يمارسها طاقم السلطة منذ سبعة اعوام هي حصيلة عهد السيد نوري المالكي، وهو فشل اساء لسمعة البلاد كثيرا وقد يستحق الطاقم الحكومي السجن المؤبد لاجله، سواء صدر قانون المعلوماتية ام لم يصدر
عالم آخر: انا محكوم بالمؤبد
نشر في: 16 يوليو, 2012: 09:21 م