المدى الثقافي السيرة وأدب الرحلة والمذكرات فنون جميلة من فنون السرد والقص، وهي تندرج، إلى حد ما، في حقل التاريخ الشفهي، ولا تستقيم الكتابة التاريخية من دونها على الإطلاق فهي كالنسغ الذي يروي العروق الجافة، أو كالماء الذي يغمر شقوق الأرض فيلينها ويهيئها للاخضرار، وهي التي تمنح  التاريخ عطره، ومن دونها تصبح الرواية التاريخية جافة ومشققه وبلا رونق أو رحيق.
وهذا الكتاب للسيد هاني فحص هو في احد وجوهه سير للرجال والأمكنة وللأحبة الذين غادروا هذه الدنيا، وللذين ما برحوا مجاهدين في دروب الحياة، وأبعد من ذلك فإن هذه النصوص ليست سير ناس فحسب بل هي مشاهد من سير هذا (الولد العاملي) الذي شب ووجهه إلى فلسطين، وقلبه إلى العراق، وعاش بين أوراق التبغ ورائحة الزعتر وأشواك العاقول، وكان بين يديه بندقية رمزية ما ارتفعت يوماً في وجه احد، بل كانت موصودة دوماً لمواجهة العدوان وإسرائيل.هذا الكتاب الأليف واللطيف والممتع جولة بين الناس وعن الناس، وفيه لا نقرأ للواقع أو الحكايات وحدها ، بل نقرأ حياة غنية ومتشعبة لبضع عشرة شخصية من الذين غيروا أفكارنا، او أثروا فينا بهذا المقدار أو ذاك، وأثروا حياتنا ببعض البهاء أمثال شكيب أرسلان وأنطوان سعداة وكمال جنبلاط والمطران جورج خضر وسيد محمد حسين فضل الله وحسين مروة وياسر عرفات وخليل الوزير ومحجوب عمر وغسان تويني والإمام موسى الصدر وجور حاوي وآخرين.السيد هاني فحص مؤمن بالتأكيد ويكاد لفرط إيمانه يلامس تخوم الشك، والشك في يقيني، منزلة عليا من منازل التفكر والتأمل وهو ذروة من ذرى المعرفة والبحث عن معنى لهذا الوجود، أو عن سر من أسراره أو غايته والإيمان لدى السيد هاني بحسب ظني ليس مجرد نصوص تتلى، وطقوس تعاد، وقوائم تقوم، وأجساد تقعد. إنه توق الإنسان إلى المعرفة، ومسار في السعي إلى القيم النبيلة كالحرية والعدالة والتحرر، لهذا لم يتورع عن الإفصاح في هذا الكتاب بالقول:" إن حلم ماركس لا يفترق، إلا شكلاً، عن حلم أبي ذر".الكتاب من إصدارات دار المدى للثقافة والفنون من الحجم المتوسط بـ 314 صفحة.