TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :استاذ حجي دولة الرئيس

أحاديث شفوية :استاذ حجي دولة الرئيس

نشر في: 18 يوليو, 2012: 06:59 م

 احمد المهنا كان أعلى لقب يحصل عليه المرء في العراق هو "أستاذ". وكان مع ذلك في منال الجميع. السائق والبقال والشاب يكنون كل رجل لا يعرفونه بذلك اللقب. وربما ساد هذا اللقب بعد قيام الجمهورية، حيث انحسرت ألقاب البيك والباشا. وربما كان دليلا على ارتفاع قيمة التعليم في البلد. فالمعلم عندنا هو الأستاذ والمدرس في الثانوية والجامعة كذلك استاذ.
في "الديمقراطية الفتية" تراجع لقب استاذ بين عامة الناس ليأخذ مكانه لقب "حجي". وربما كان ذلك ناتجا عن صعود المد الديني. فالسائق الذي كان يقول لك استاذ أصبح يقول لك "حجي". وقد يعني ذلك تراجع تقدير التعليم وتقدم تقدير الدين. والدين لم يكن شأنه قليلا بالعراق في يوم من الأيام، ولكن لنعترف ان "الديمقراطية" عززت مكانته على كل الصعد.ومن هذه الصعد المعززة حلول "حجي" محل "استاذ". ولعل هذا وجه من وجوه التواضع الذي يفرضه الدين. فهناك نوع من حكم القيمة في كلمة "استاذ"، لارتباطها بالتربية والتعليم والثقافة، فكأنك والحال هذه ترفع من شأن المخاطب، وتقول له أنت متعلم أو عالم أو مثقف. وأما "حجي" فهي نسبة لفريضة قد ترفع قيمة الانسان امام المعبود ولكنها لا تقدم ولا تؤخر أمام العبيد.هذا ما كان من سيرة الألقاب بين عامة الناس، وهو جيد كما ترون، لارتباطه بالدين وبالتواضع. أما بين "النخبة الحاكمة" فان سيرة الألقاب "طكت" في ظل"الديمقراطية الفتية". فقد اصبحت لدينا فخامتان لكل من رئيس الجمهورية ورئيس اقليم كردستان. أما أقوى منصب تنفيذي فقد خص بلقب "دولة الرئيس". وللوزير "معالي". وأظن ان لقب "السيد" اصبح من نصيب النائب في البرلمان. هناك أيضا لقب "سماحة" لبعض رجال الدين الساسة.ولا أعرف مصدر فورة هذه الألقاب الحكومية والسياسية. وكنت أنا شخصيا قد أنست لها بعد تغيير 2003. اذ رأيت انها ربما تكون فاتحة خير على عصر جديد تنتشر فيه قيمة الاحترام، بعدما صفَرتها ظروف الدكتاتورية والحروب والمجاعات. و"الاحترام" قيمة لا تعلو عليها قيمة في حياة البشر. ولكن رأيي الشخصي ليس مسؤولا عن انتشار هذه الألقاب. كما انه ليس مصدرها بالطبع. ولربما كان الإعلام قد نشرها، أو أسهم في تعميمها. ولكن من اين اهتدى عليها؟ ربما من لبنان. فهذه الألقاب عريقة ومنتشرة بين أوساط الحكم في بلد الأرز، وبما ان إعلامه ضارب في العالم العربي فقد نكون تأثرنا به. ولا ننسى انه قد اصبحت بيننا وبين لبنان وجوه شبه سواء في كثرة المناصب أو الحرامية أو الميليشيات أو في "ديمقراطية الطوائف".وقد يكون تأثير الدين في النخبة الحاكمة أقل منه بين العامة، لأن التواضع جاء أقل في القاب الأولى منه في الثانية. فحجي وين ومعالي وين؟ والمشكلة ليست في التواضع أو التكبر. بل هي في أن يتصرف الواحد منهم كأنه "دولة" أو "فخامة" فلا يعود يعرف ان يحاور من هو أقل من "دولة" أو "فخامة". ولكن الحوار حتى على هذا المستوى اصبح ممتنعا في العراق. وعندما تعجز السياسة عن الحوار تشتغل بالقمع أو الإرهاب أو الحرب أو التآمر أو الانعاش الخارجي. هذه هي المشكلة. فهل ألقاب مرحلة "الديمقراطية الفتية"هي السبب؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram