عامر القيسيأخطر ما في الخطاب الذي يسوقه رئيس الوزراء نوري المالكي، هو التهديدات المبطنة لـ"الشركاء" السياسيين بالدفاع عن الدستور وحفظ القانون، وذروة تهديداته في خطاب تخرّج الدورة الستين لضباط كلية الشرطة يوم الاثنين الماضي، وهو خطاب لا يبشر بخير بكل تفاصيله ومتناقض تماما مع دعوات الحوار والاصلاح التي يطلقها في كل المناسبات.
فالاختلاف حول الدستور قضية يقرّها الجميع بمن في ذلك السيد المالكي وائتلافه دولة القانون وحلفاؤه في التحالف الوطني، وهي قضية مطروحة ايضا في بنود الدستور كما ان لجنة برلمانية مشكلّة لدراسة التعديلات الممكنة بالتوافق السياسي، كما ان كل شركائه السياسيين يقرون بالدستور الحالي بل يطالبون بتنفيذ بنوده. ويهدد المالكي في خطابه أيضا الذين يحاولون إثارة الأزمات السياسية، وهو نفسه متهم من قوى سياسية عراقية بانه صانع جيد للازمات السياسية، فهل ينطبق عليه التهديد أيضا أم أن مثيري الازمات من وجهة نظره فقط؟ والأكثر خطورة ان مثل هذه الخطابات تقال وتسوّق أمام قوى الامن والجيش التي تعرف جيدا ان أمامها سياقات محددة لتطبيق القانون والحفاظ على الأمن الداخلي، وكأنها دعوة مفتوحة لانخراط هذه القوى في أتون الصراعات السياسية الجارية في البلاد. وربما لا يستطيع حتى المالكي نفسه ان يقول لنا كيف تستطيع هذه القوات الامنية أن تفرز من هو صاحب الموقف الصحيح المتناسق مع الدستور والقوانين، اذا كان نفسه مع ائتلافه مختلفين حول هذه القضية بل وفي تفسير كل بنود الدستور، والصراعات حول هذا الموضوع معروفة للجميع. اذا كانت التجربة الصدامية غير كافية لإعطاء الدروس الخصوصية والاحترافية ببؤس مثل هذه الخطابات ونهاياتها المأساوية، فان تجربة الربيع العربي، الذي لا يعترف به المالكي، تشكل درسا إجباريا لـ"الفاهمين" من السياسيين ان التعامل مع المختلفين بالتهديد والوعيد لن تكون نهاياتها إلا مأساوية. لقد قال السادات عن انتفاضة 17 يناير الشعبية بانها "شوية عيال حرامية" وقال القذافي عن انتفاضة الليبيين بأنهم "جرذان" وينبغي ملاحقتهم من "زنكة الى زنكة" فيما حمل حسني مبارك على ثوار الميدان بجمال العصر الجاهلي ويقول الآن عمر بشير السودان ساخرا من انتفاضة شعبه "لدينا صيف ساخن وليس ربيعا" ويتحدث بشار عن "مؤامرة كونية" ضد سوريا في الوقت الذي يجري القتال في شوارع دمشق... ونتيجة كل هذا الاستخفاف والتهديد والوعيد لا تحتاج الى اعادة قراءة ولا ذكاء مفرط ولا الى حتى سياسي محترف ومحنك لأن العرض مازال مستمرا حتى تنظف البلدان العربية من بقية أدران سلاطينهم. ان الدعوات الى الحوار والاصلاح والانطلاق بالبلاد الى مستويات متقدمة من العمل السياسي والديمقراطية لا تتناسب مع مثل هذه الخطابات الاستعلائية وان على شركاء المالكي، ليس في التحالف الوطني فحسب وإنما من قوى ائتلاف دولة القانون بل من الحكماء في داخل حزب الدعوة، توجيه النصح والمشورة بل والضغط عليه في عدم الذهاب بمنهجه هذا الى دروب العودة، رغم أننا سمعنا مثل هذه النصائح للمالكي من السيدين عمار الحكيم ومقتدى الصدر، لكن ما من مجيب!!ومن جانبنا نقول للسيد المالكي.. إن الدروس الثمينة للشعوب يجب ألاّ تذهب سدى.
كتابة على الحيطان: يد المالكي الحديدية.. إلى أين؟
نشر في: 18 يوليو, 2012: 08:50 م