علي حسين لا تصدقوا أن الحكومة ومعها لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية معنيون أصلا بالإبداع والفنون، ويكفيني الراحل الكبير كاظم اسماعيل الكاطع دليلا على ما أقوله، فهذا الشاعر الرقيق الذي تغنى بحب الوطن قرابة أكثر من ربع قرن رحل عن دنيانا لان الحكومة رفضت ان تفتح درج مكتبها وتخرج مبلغا تافها لعلاجه، مثلما
غضت الطرف من قبل عن أديب بحجم محمود عبد الوهاب مات منسيا في احد مستشفيات البصرة، فيما إعلامي ومؤرخ بحجم جميل الجبوري يضطره العوز الى الاستعانة بالأصدقاء لمساعدته في أزمته الصحية.. ولهذا علينا أن نعترف بان الحكومة وبعض مريديها مصرون على ان نعيش معهم أجمل عصور النكتة السياسية، فهم يدركون جيدا أننا عشنا سنوات طويلة في أزمات اقتصادية واجتماعية –لا أريد أن اذكر الأزمات السياسية التي هلت علينا في السنوات الأخيرة -، ولأننا شعب طيب ومطيع فقد قرروا أن يكافئونا بأن يقدموا لنا كل يوم نكتة لطيفة تخفف قليلا من الزوابع السياسية والأعاصير الترابية التي خيّمت علينا بسبب اصرار السيد المالكي على تنظيف البرلمان، بالأمس قادني حظي العاثر لان أشاهد برنامجا عن احتفالات نقابة الصحفيين بمناسبة مرور 143 سنة على صدور صحيفة الزوراء.. وأنا اصغي لضيوف البرنامج الذين تحدثوا عن الواقع الوردي الذي يعيشه الإعلام العراقي في ظل ديمقراطية المحاصصة الطائفية.. تبادرت الى سمعي نكتة تختصر الواقع الذي نعيشه وتؤكد للجميع أننا لا نزال بخير ولدينا القدرة على السخرية حتى من أنفسنا والنكتة تقول: إن نقابة الصحفيين تستعد لإقامة احتفالية كبرى بمناسبة عيد الصحفيين يوم غد الخميس بمشاركة 300 شخصية عربية واجنبية ابرزهم حسبما اخبرنا السادة القائمون على الحفل الفنان محمود ياسين ويسرا والمطربة شيرين، انتهت النكتة.. وبدأت المهزلة التي عرفنا من خلالها ان الاحتفال الذي سيقام في فندق الرشيد سيخصص للضيوف العرب والاجانب بسبب عدم استيعاب قاعة الاحتفالات،، فيما سيكون اليوم الثاني مخصصا لجميع الصحفيين العراقيين ولكن في حدائق الزوراء حيث سيتسنى لهم قضاء نهار مشمس يستطيعون من خلالها تناول الايس كريم.طبعا لا اعتراض عندي على أن تقيم أي مؤسسة ثقافية احتفالا تستعرض فيه منجزاتها، وحسناً تذكّرت نقابة الصحفيين انها جزء من نقابة الفنانين في هذا الوقت الذي تريد الحكومة ان تثبت فيه ان البرلمان مؤسسة تابعة لمكتب رئيس الوزراء .. وحسنا فعل السيد نقيب الصحفيين باستضافة المطربة شيرين لاننا بحاجة ماسة لان نصرخ " اه ياوطن " بدلا من " اه ياليل "، وبحاجة ماسة الى ان نناقش مع الفنانة يسرا سيناريو الفيلم الحكومي الذي نتمنى ان تكون نهايته سيطرة مكتب رئيس الوزراء على جميع وسائل الاعلام ، ولكن الغريب في الامر ان اجد السيد علي الشلاه يجلس فرحا مبتسما وهو يستمع الى تفاصيل الاحتفالية الكبرى وكيف ستصدح الموسيقى وتقام الافراح في الوقت الذي حرم فيه اهالي بابل من الاستماع الى الغناء وحول مهرجانا مخصصا للموسيقى والغناء والاستعراضات – مهرجان بابل – الى مهرجان ادبي. من المثير للسخرية أن يدفع مبلغ مئة الف دولار لكل فنان وافق ان يقضي ليلة واحدة في فندق خمس نجوم يبتسم خلاله للكاميرات ويتحدث عن حبه وشوقه للعراق وعن المنجزات التي شاهدها، في الوقت الذي تعاني فيه عوائل شهداء الصحافة من العوز.. ونجد صحفيا بحجم محسن حسين، مؤسس وكالة الانباء العراقية يحمل معه شيخوخته في الغربة وان الحكومة التي تفتح خزائنها للسيد نقيب الصحفيين تمنح عمداء الصحافة العراقية وشيوخها سجاد الغازي ويوسف هرمز وحميد المطبعي وحليم الاعرجي وسهيل نادر وسعيد الربيعي وجرجيس ميخائيل عبد النور وسلوى زكو وسلام خياط 500 دينار شهرياً اي اقل من نصف دولار..فيما نواب ووزراء ساهموا بطمس هوية الدولة العراقية يتقاضون عشرات الملايين.. ولكن يبدو ان الثقافة والصحافة في رأي الحكومة ليست أكثر من احتفالات ومهرجانات لا تحمل لونا ولا طعما ولا رائحة، بل هي فساد يتحرك أمامك مثل الشبح تشاهده ولا تستطيع الإمساك به، الفساد سيجعل المسؤولين يعتبرون هذه المهازل أشبه بفيلم الفنانة يسرا الأخير "جيم اوفر" والذي تظهر فيه وهي تنهال على الجميع ضرباً مثلما سيفعل معنا السيد المالكي مستقبلاً ليهزمنا شر هزيمة.
العمود الثامن :نقابة الصحفيين.. أم نقابة يسرا وشيرين
نشر في: 19 يوليو, 2012: 05:47 م