TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أريحوا ركابكم أيها السياسيون.. فالمركب أوشك على الغرق

أريحوا ركابكم أيها السياسيون.. فالمركب أوشك على الغرق

نشر في: 19 يوليو, 2012: 06:11 م

 حميد الكفائي لا تزال حروبنا ضد بعضنا البعض مستعرة ولن تنتهي حتى نقضي على بعضنا البعض قضاءً مبرماً كي نريح ونستريح. ولكن هل نحن قادرون فعلا على ذلك؟ لو كنا قادرين لفعلناه خلال الحقبة الماضية من تأريخنا المجيد الممتدة على مدى 14 قرنا.
لا يمر يوم، لا بل ساعة، دون أن يكون هناك خبر جديد بأن فلانا قد فعل كذا ضد علّان وأن علّانا قد قام بكذا ردا على فلان وأذاقه المر مما دفع الأخير للرد عليه بقسوة ليذيقه الأمرّين مما حدا بعلّان أن يتخذ إجراء يذيقه الأمرّات الثلاثة! خارطة الطريق أصبحت واضحة إذن، فنحن الآن نعرف الخطوة المقبلة لفلان ضد علان والخطوة اللاحقة لعلان ضد فلان! حروب متواصلة وأكاذيب متبادلة وعداء مستحكم والمتضررون هم نحن، العرب والكرد والتركمان، والمسلمون والمسيحيون والإيزيديون والصائبة، السنة والشيعة...  سألني ذات يوم رئيس مؤسسة غربية يعمل فيها كثيرون من العرب وقد اعتذر مني مقدما قبل طرح السؤال طالبا عدم تفسير سؤاله في غير محله، خصوصا وأنها المرة الأولى التي ألتقي به: "أنتم العرب والشرقيون عباقرة وفنانون مبدعون دون شك ولكن في محاربة بعضكم البعض. الموظفون العرب في مؤسستي يتفننون في إيذاء بعضهم البعض وأنا أمضي جزءا ثمينا من وقتي يوميا لحل الخلافات بينهم وتلقي الشكاوى منهم ضد بعضهم البعض. لماذا لا توظفون إبداعاتكم هذه لتحسين أوضاعكم بدلا من الانشغال بمحاربة بعضكم البعض؟ أليس هذا أجدى وأكثر نفعا؟". وقد حرت فعلا في الإجابة على تساؤله الذي يبدو أنه جاء عن قناعة راسخة بعد تعامله مع كثيرين من بلداننا. ويحار الإنسان حقا في مثل هذا المواقف ماذا يفعل. فهل يعترف بالحقيقة المرة أمام الأجانب أم ينكر أمرا أصبح واضحا للجميع؟ أجبته جوابا عائما مفاده أن عليه ألا يعمم استنتاجاته على الجميع لأن التعميم خطأ كبير يرتكبه أي إنسان وكان له جواب على ردي هذا أهمله في هذه العجالة.من يراقب الأخبار العراقية لا يجد سوى الحروب الطاحنة التي يخوضها السياسيون ضد بعضهم البعض والنقاشات الساخنة بين السياسيين الذين أصبح عددهم يعادل عدد السكان البالغين تقريبا، وكلهم قياديون طبعا، فالمنقادون قلة قليلة وهم ربما ينتظرون دورهم كي يصبحوا قياديين أيضا ولكنهم مع ذلك يستحقون التحية على صبرهم هذا. إنها حقا مأساة كبرى فنحن قوم لا نزال نتصرف كالبدو، غير قادرين على بناء دولة عصرية لأننا لا نجيد إجادة تامة سوى الحروب والحملات الدعائية التي تستند في أكثر الأحيان إلى آراء منحازة أو ربما أكاذيب ملفقة.لقد وصلت الأمور إلى مرحلة خطرة الآن في العراق،فالمعارك المستعرة بين السياسيين أصبحت تهددنا جميعا وتهدد العراق ككل والمطلوب الآن من الجميع هو التهدئة والجلوس معا لبحث الخلافات التي بدأت صغيرة لكنها تنامت بمرور الزمن لتصبح الآن كبيرة ومعقدة وسوف تتنامى أكثر إن بقي الحال على هذا المنوال. التفاهمات السابقة بين السياسيين لم تعد قائمة والثقة القليلة التي أوصلتهم إلى تلك التفاهمات ذهبت أدراج الرياح. الديمقراطية التوافقية التي بنيناها في العراق لا تخضع للأسس الديمقراطية المعتادة في البلدان الديمقراطية، لذلك فإن من الصعب تفعيل الآليات الديمقراطية المتبعة في تلك البلدان حتى وإن كانت مدونة في دستورنا. إجراء سحب الثقة لا يستغرق في العادة أكثر من بضعة أيام ولا يتعدى أسبوعا حتى في البلدان التي تحكمها حكومات ائتلافية على الدوام كإيطاليا. بينما نحن نتحدث عنه وبه وحوله منذ ستة أشهر ولم نبدأ به حتى الآن. الأفضل لنا أن ننصرف للأمور المهمة الأخرى كتقويم الحكومة ومكافحة الفساد وتشريع القوانين الملحة التي تنتظر منذ زمن بعيد بدلا من إضاعة الوقت في إجراءات سحب الثقة التي بدا واضحا لكل ذي عين أنها لن تتم بسبب تشرذم قوى المعارضة والتعقيد الدستوري الذي يسمح بسحب الثقة بآليتين، الأولى هي عبر الرئيس، وقد جربوها وفشلت، والثانية عبر تقديم خُمس عدد النواب، 65 نائبا، طلبا عبر رئاسة البرلمان ولكن يجب أن يسبقه استجواب لرئيس الوزراء. بالإمكان استجواب رئيس الوزراء في البرلمان حتى تتضح الأمور ويفهم الناس منه ومن خصومه القضايا الخلافية بين الطرفين وكيفية التوصل إلى حلول لها. لقد تأخر الجميع في المبادرة لحل هذه الإشكالات والسبب هو التصعيد الذي يمارسه الجميع،وكل طرف يريد أن يكسب الوقت لصالحه عبر عرقلة مساعي الطرف الآخر. الآن أصبحت الأمور واضحة. لن يتمكن طرف من إلحاق الهزيمة بخصمه بالوسائل المستخدمة حاليا وعلى الخصوم أن يتعايشوا ويلتقوا عند منتصف الطريق في الوقت الحاضر وينتظروا كلمة لا شعب بهم في الانتخابات المقبلة، فهذا هو الحل السلمي الوحيد للمشكلة إن أرادوا للدولة العراقية أن تتواصل وتتطور وإن فكروا بمصالح الآخرين الذين يعيشون معهم في هذه الدولة. الغريب أن سياسيينا يظنون أن المسألة تخصهم وحدهم وليس هناك غيرهم في هذا البلد. لا يا جماعة الخير. هناك آخرون غيركم يعيشون معكم ويتأثرون بأفعالكم سلبا وإيجابا. عمال وفلاحون وموظفون وجنود وشرطة ومعلمون وأستاذة وصحفيون ورجال أعمال وربات بيوت وكسبة وتجار وطلاب وتلاميذ وأطفال ومسنون ومرضى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram