علي حسين "على المسؤول عن التعليم أن يكون مثقفاً وفنانا وإنسانا مغرما بعمله، أما المشرفون على التعليم عندنا فهم بسطاء سذج، أنصاف متعلمين، يجب أن يحتل التعليم المركز الأول وأن يكون متاحا للجميع".. كانت هذه الكلمات هي حوار أجراه الكاتب الروسي أنطون تشيخوف مع أحد الصحفيين،
توفي تشيخوف قبل أكثر من مئة عام ويبدو حديثه هذا معاصرا تماما لما نعيشه اليوم في العراق، وكلماته هذه تليق أن توضع في واجهة أي مدرسة في العراق، أحلام تشيخوف هي أحلام المخلصين لبناء بلدانهم وهي نفس أحلام الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي كان مسؤولا عن التعليم في العهد الملكي لمرات عدة من عام 1924 إلى عام 1948 نراه يكتب في رسالة يوجهها للملك فيصل الأول حول فهمه لدور التربية والتعليم في المجتمع: " الفقر والجهل من أشدّ الأمراض الاجتماعية ألماً وأكثرها ضرراً وليس أذل للإنسان من أن يصبح محتاجاً إلى الناس، وليس اشد إيلاما له من أن يمنع عنه التعليم، فالجهل في نظر الأمم المتقدمة اشد فتكا من الفقر، فالفقير الذي لا يجد قوت يومه، يشعر بالهوان أما الفقير الجاهل فيشعر بعدم القيمة في الحياة، لأنّه لا يستطيع أن يعمل شيئاً وهناك يبدأ بارتكاب الأخطاء التي تؤثر على تطور المجتمع. وهذا ما أشار اليه علي بن ابي طالب (ع) في قوله: "من عدم علمه كثرت خطاياه".ٍواليوم يطرح السؤال بوضوح كيف يمكننا تطبيق هذه الأحلام في العراق، ونحن نجد أن بعض القائمين على شؤون التربية والتعليم. تداخلت عندهم السياسة مع ألعاب الفساد مع المحاصصة مع زمرة المنتفعين في أن يتولوا مناصب مهمة في هذا القطاع لتكون النتيجة واضحة لا أمل على الإطلاق في محاولة إصلاح النظام التعليمي.بعد سنوات من نهاية النظام الدكتاتوري، نجد أن القائمين على أمور البلاد، ينظرون إلى التربية والتعليم باعتبارها كماليات، زائدة عن الحاجة، لا يشغلهم التدهور الذي أصاب هذا القطاع، بل أن وزارة التربية عانت ما عانت بسبب اختيار أشخاص لا يمتون بصلة إلى قطاع التربية والتعليم، فتحولت الوزارة العريقة في النهاية إلى حقل تجارب يسعى من خلالها صاحب المنصب إلى تنفيذ سياساته الخاصة ورؤاه الشخصية على قطاع في حياة الشعوب، ومن الغريب أن نجد اثنين من وزراء التربية في عراقنا الجديد فلاح السوداني وخضير الخزاعي كانا يستحرمان من الفنون بل إن احدهم طالب بإزالة التماثيل التي في واجهة معهد الفنون الجميلة كي يستطيع زيارته. أخطاء تكاثرت حتى اصبحنا لا نفرق بين التربية باعتبارها منهجا في تنشئة الأجيال الجديدة وبين الأجندات السياسية والحزبية التي تريد ان تحول هذا القطاع إلى ساحة صراع سياسي وطائفي.ولعل من أسوأ الأفعال التي تعرض لها التعليم في العراق في السنوات الماضية هو ربطه بالمحاصصة الطائفية وأزعم أن في هذا الفعل إهانة بالغة لقيمة التعلم في الحياة، بحيث يتحول معها التعليم من غاية نبيلة وهدف إنساني جليل يتعلق بنهضة المجتمع، إلى مجرد وسيلة يتخذها السياسيين لتنفيذ أجندات طائفية، فتحولت المدارس والجامعات إلى ساحات لممارسة أنواع الدجل والسخرية من أي قيمة معرفية وتحول التعليم من نور لإضاءة العقول إلى " تعتيم " يراد به جر المجتمع إلى عصور التخلف، غير أن قائمة " التعتيم " في حياتنا لم تتوقف عند التربية والتعليم، فقد تحولنا في كل المجالات إلى امة بلا مشروع حقيقي للنهضة، لان ساستنا الأشاوس مصرون على إهدار عناصر التنمية الحقيقية في مشاحنات ومنازعات طائفية، لنصبح بلاداً بلا تعليم محترم، ولا صناعة، ولا زراعة رغم أننا عرفنا منذ فجر البشرية بأننا بلد زراعي، أما السياسة فكما ترون أصبحنا نستورد الحلول من دول الجوار. ترى ماذا لو عاد الشبيبي اليوم، فحتما سيقف في ساحة التحرير ويردد مع أبي العلاء المعري: وتفرقـــــــوا شيعاً فكل قبيلة... فيها أمير المؤمنين ومنبرُأو سيردد مع الوزير الشيخ علي الشرقي: قـومــــــي رؤوس كلهــــــــــــمأرأيت مزرعـــــــة البصـــــلِ
العمود الثامن: عن التربية و " التعتيم "
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:04 م