ترجمة/ المدىبسبب مساهماته في أدب الأطفال، فقد ضرب موريس سينداك – الذي توفي الثلاثاء الماضي عن عمر يناهز الثالثة والثمانين – على وتر حساس بكتابه " أين هي الأشياء المتوحشة " الذي يمثل مغامرة مظلمة ومشرقة في آن واحد، في عالم شاق يتجاوز غرفة نوم الطفل. هذا الكتاب هو المفضل لدى الأطفال، يقول الناقد ديفيد أولن إن ولده نوح كان يفضل هذا الكتاب وهو لم يتجاوز السنة الثانية من عمره، و يضيف "لقد اعتدنا إعادة قراءته كل ليلة قبل النوم. كان الروتين يتكرر يوميا،
حيث يقف نوح مستندا على سرير نومه ويحدق باللون الأخضر الخرافي لرسومات سينداك بينما اقرأ له النص على شكل ترتيل وكان نوح يحرك فمه ليردد الكلمات معي رغم جهله بالقراءة. لقد سمع القصة عدة مرات بحيث انه يتذكرها . بالنسبة لكلينا فان أفضل جزء يأتي في منتصف القصة عندما يعلن ماكس – بطل القصة – قائلا " فليبدأ الصخب "، كنت أصرخ عندما ألفظ هذه الكلمات ثم نرقص أنا ونوح ونصخب ونحن ننظر إلى الصور الصاخبة ونتمتم بالحان غير منسجمة". إن ما يحبه نوح في هذا الكتاب هو طاقته المطلقة ، فالفكرة أن هذه القصة تجعلنا نقفز ونصرخ. أنا أحبها أيضا لكن ما يحركني فيها أكثر هو الإحساس بالخيال وبالقوة التي تستطيع عقولنا بواسطتها تحويل العالم . هذا كتاب تتكشف فيه الحركة في رأس البطل ماكس بعد أن عوقب وذهب مجبرا إلى غرفته. يبدأ الكتاب بعبارة "في الليلة التي ارتدى فيها ماكس بدلة الذئب وأفسد وصال وجال، بدأت أمه تطلق عليه اسم "المتوحش" فيقول لها "سألتهمك" ، لذلك عاقبته وأرسلته الى سريره دون أن يأكل شيئا. تكمن عبقرية الكتاب في انه يثير خيالا مفرطا تتساقط فيه الجدران والسقف وتنخسف الأرضية، تاركة ماكس يبحث عن ارض أكثر غرابة وخطورة من الأرض التي تركها وراءه . يكتب سينداك "في تلك الليلة في غرفة ماكس تنمو غابة و تنمو حتى تتدلى الكروم من السقف على الجدران التي تصبح هي العالم كله و يتعثر قارب ماكس في مياه المحيط التي يبحر فيها ليل نهار على مدى عام كامل إلى حيث توجد الأشياء المتوحشة" . هذا يصل إلى قلب الطفولة في إبداعه وفي الوحدة التي يستلزمها. من اجل أن يخلق ماكس عالمه الخاص كان من اللازم أن تطرده أمه. جزء من حلاوة الكتاب يأتي من متانته ومرونته، ومن الإدراك بأننا لوحدنا حتى ونحن صغار. بهذا الخصوص يعتبر الكتاب واحدا من الكتب النادرة للقراء الصغار التي ترسم الطفولة وكأنها مقاطعة ليست للبراءة بقدر ما هي للتوتر، يكون العالم فيها دائما وراءنا، مقاطعة تسلب كل الحيل التي يمكن أن نستحضرها من اجل التواصل. بمرور السنين، كان سينداك يعرب عن استيائه من أن كتاب "اين هي الاشياء المتوحشة" - المنشور عام 1963 والمقصود منه أن يلقي بظلاله على كتبه الأخرى التي تتضمن العديد من القصص الكلاسيكية للأطفال مثل "بيير" و"حساء الدجاج والرز" و"في مطبخ الليل" – غالبا ما يواجه تحديا لأنه يظهر البطل ماكس عاريا. إن الكاتب سينداك لا يصف نفسه على انه كاتب للأطفال، حيث يقول "أنا لا اكتب للأطفال ...ولم انوِ أن اجعل الأطفال سعداء أو أن اجعل حياتهم أفضل وأسهل". هذه نقطة جيدة وتوحي بالسبب الذي يجعل كتاباته مدوية ولها صدى لأنه لم يكن يكتب لنوع محدد من القراء وإنما للتعبير عن نفسه. هذا هو جوهر الفن وجوهر ما يجب أن تقدمه الكتب وهو الإحساس بالوصول عبر الفراغ. ينهي سينداك كتابه قائلا "الأشياء المتوحشة تزأر بصوتها المخيف، وتحرك عيونها المرعبة، وتظهر مخالبها الرهيبة، إلا أن ماكس يدخل قاربه الخاص ويلوح مودعا، ويبحر عائدا إلى غرفته حيث يجد العشاء - الذي لا يزال دافئا – بانتظاره. بكلمات أخرى، قد يجد ماكس نفسه في ارض (الأشياء المتوحشة)، لكن في النهاية لم يكن لديه خيار غير العودة إلى البيت لتناول العشاء وليترك تلك النفس المتوحشة والمظلمة بعيدا .rnعن: لوس أنجلس تايمز
الرجل الذي ساعد على توحّش خيال الأطفال
نشر في: 19 يوليو, 2012: 07:08 م