علي حسينكنت أتصور أن الأمر لا يعدو أن يكون نكتة أو محاولة لكسر الملل والرتابة، غير أنه بات من الواضح أن منطق المثل الشائع "الباب اللي تجيك منه الريح سدة واستريح" هو الذي لا يزال حاكما في حياتنا.
فمنذ اشهر ومجلس النواب يعلن عن جلسات استجواب لعدد من الوزراء، والناس تجلس قبالة الفضائيات يقتلها الفضول تريد ان تعرف ما الذي سيقوله المسؤولون عن الخراب الذي عم البلاد.. لكن سرعان ما يخرج علينا الناطق باسم مجلس القضاء الاعلى عبد الستار البيرقدار مطمئناً الجماهير بان الامر قد حسم لان البرلمانيين لم يرتدوا تشيرتات عليها رقم المادة 61 من الدستور وأن الوزراء رفضوا اخذ صور تذكارية مع المادة 58 من النظام الداخلي للبرلمان. ومن ثم فان الفوز من نصيب السادة الوزراء.. من يقرأ بيان مجلس القضاء الاعلى الذي صدر قبل ايام والذي يقول إن "المحكمة الاتحادية العليا قررت عدم دستورية طلب استجواب وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الأديب "لان"هذا الطلب مفتقد لشروط الاستجواب المنصوص عليها في المادة 61 من الدستور والمادة 58 من النظام الداخلي لمجلس النواب" يكتشف حتما اننا نعيش عصر ما بعد العبث، لان مجلس القضاء الذي من واجبه ان يكون حارسا على القانون اخذ يحدث الناس بلغة محكومة باعتبارات اخرى غير الحفاظ على هيبة المؤسسة التشريعية. قد لا أفهم في دهاليز القانون، ولكنني أعرف مثل غيري من المواطنين أن استجواب اي مسؤول حق لمجلس النواب كفله الدستور ولا يحتاج الى امر قضائي، فنحن نقرأ ونسمع كل يوم عن رؤساء حكومات يقفون صاغرين امام برلماناتهم يجيبون عن الاسئلة التي تطرح عليهم، فالمسؤول اولاً واخيراً موظف حكومي تتم مساءلته ومحاسبته اذا قصر في اداء واجبه، عندما يحدث ذلك يدرك المواطن انه يعيش في ظل نظام يحترم القانون الذي يقف الجميع أمامه سواسية فلا فرق بين وزير وابسط مواطن، فما الذي حصل حتى يكتشف المواطن المغلوب على أمره أن استجواب مسؤول سيشكل ازمة سياسية، وانه مخالفة لفقرات الدستور، وان العدالة تتطلب اعادة النظر في دور البرلمان الذي يريد له البعض ان يتحول إلى مجرد هيئة من ضمن الهيئات المستقلة التي الحقت بمكتب رئيس الوزراء.. وفي الوقت الذي اصابتني فصول مسرحية القضاء العراقي بالضجر كنت اتابع المعركة التي تخوضها بصلابة المحكمة الدستورية في مصر مع مؤسسة الرئاسة. فقبل يومين فقط تمكن قضاة مصر من رفض قرار اصدره الرئيس المصري المنتخب باعادة مجلس الشعب.. القضاة اصروا على موقفهم يساندهم عدد من الناشطين السياسيين الذين يمثلون اليوم صداعا دائما في رأس الرئيس ومعاونيه. اشاهد القنوات الفضائية وارى كيف يدير رجال مصر الشجعان معركة حماية القانون، مابين الظهور الميلودرامي للسيد الناطق باسم مجلس القضاء الاعلى وهو يلوح للبرلمان بان يصمت، وبين إصدار المحكمة الدستورية المصرية قرارها والذي تم بموجبه الغاء امر رئيس الجمهورية، بين هذين التاريخين حصلت أشياء كثيرة في العالم، فقد شاهدنا رئيس وزراء اسرائيل السابق اولمرت يساق للقضاء بسبب تسهيلات بنكية قدمها لاحد اصدقائه، وكيف ان المعارضة الروسية اجبرت رئيس مجلس الدوما الروسي بوريس غريزلوف على ان يتخلى عن منصبه على خلفية اتهامات بتزوير الانتخابات، فيما استيقظت كوريا الجنوبية على امر قضائي باعتقال شقيق رئيس الجمهورية وعضو برلمانهم لي ميونج بتهمة التربح غير المشروع. اما حدث في بلاد الواق واق – العراق – فقد وجدنا انفسنا جميعا أمام حالة انتقائية صارخة في التعامل مع القانون الذي يشهرونه في وجوهنا طوال الوقت إذا قلنا بان الحكومة مقصرة في واجباتها تجاه الناس وإنها تسير في طريق العدم بأقصى سرعة منذ سنوات. السؤال الذي اطرحه على رئيس مجلس القضاء هو: كيف ستصدق الناس ان قضاة يتنازلون عن حق المواطن في مساءلة المسؤول يمكن ان يكونوا حماة للقانون ومقاتلين اشداء من أجله؟ ونصف السؤال يقول: هل الدستور مقدس ومحترم لو كانت احكامه على هوى "الحكومة" واعوانها وانه ملغوم لو جاءت احكامه في الاتجاه المعاكس؟
العمود الثامن: سؤال ونصف إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى
نشر في: 20 يوليو, 2012: 05:15 م