TOP

جريدة المدى > سينما > لينين: الايــــــام الاخيــــرة في حيـــــاة الزعيــــم

لينين: الايــــــام الاخيــــرة في حيـــــاة الزعيــــم

نشر في: 20 يوليو, 2012: 05:23 م

فراس الشاروطفي مدخل بالغ الثراء والأهمية سنجد صداه لاحقا في سيرورة الفيلم ،لينين الزعيم، المنظر الكبير والأب الروحي، المؤسس للدولة العظمى، يصحو مفزوعا من نومه في الصباح، الصمت يلف ما حوله، وحيدا وعاريا، أنهكه المرض والعزلة، بعيدا في بيته النائي الكبير بضاحية غوركي ،مشهد يحيلنا فيه المخرج الروسي الكبير الكسندر سوكوروف إلى الضعف والإحباط والانعزالية التي وصل إليها الزعيم في أواخر حياته.
هذا هو الفيلم الثاني في رباعية الشر التي يتناول فيها الفيلسوف والمخرج الروسي أهم الشخصيات التي غيرت تاريخ القرن العشرين، قرن الاضطرابات والحروب والموت البشري، فقد سبقه فيلم (مولوخ) عن اليوم الأخير في حياة الدكتاتور أدولف هتلر، وبعده اخرج فيلم (الشمس) عن إمبراطور اليابان هيرو هيتو، ثم فيلم (فاوست) كتتمة لرؤية الشر النابع في الروح الإنسانية ،ويبدو لأول وهلة أن العناوين عند سوكوروف لا تحمل أسم الشخصية مباشرة –باستثناء فيلم فاوست - فالمهم عنده هو ما تحمله من دلالات حول الشخصية ومصيرها.مولوخ تعني في الموروث الديني (سيد النار) أو المعلم، وفي اللغات القديمة تعني (الشر)، ومن تحليل العنوان نصل إلى موقف سوروكوف من الشخصية وتاريخها المغلف بالنار والشر، في فيلمه هذا عن زعيم الثورة البلشفية التي أنهت حكم القياصرة وأقامت جمهوريات الاتحاد السوفيتي حتى تفككه عام (1991) فقد حمل اسم (توروس) وهي كلمة تعني في اللغات القديمة (الثور) ويمكن أن نجد صداها في لغتنا العربية عند حذف الحرفين الأخيرين من الكلمة (تور)، وتعني أيضا في لغات أخرى أوربية ما معناه (الوحيد) أو (المنعزل)، ومرة أخرى من العنوان ومن مدخل الفيلم الافتتاحي ندرك موقف سوروكوف من الشخصية التي يعالجها ورؤيته لها فالفيلم رحلة في الأيام الأخيرة من حياة الزعيم الذي أسس أيديولوجيا ثابتة سارت عليها أجيال وأجيال في بلده وخارجه.لينين في فيلم سوروكوف ليس شخصية أثرت سياسيا في مجرى التاريخ فحسب بل لينين الإنسان الذي يرتبط بعلاقات معقدة مع من يحيط به ومن يوازيه على السلطة، لينين في أيامه الأخيرة من عام (1923) بعد نجاته من الجلطة الدماغية الأولى التي أصابته قبل عام من التاريخ يقع تحت لعنة الجلطة الثانية التي شلت جزءا من جسده وأصبح عاجزا عن العمل، يحيط به بعض أفراد عائلته وزوجته (ناديا) وعددا من حراسه الذين باتوا جواسيسَ عند الرجل القوي (ستالين) في بيت بضاحية غوركي بعيد ونائي، يقدم سوكوروف رؤيا لشخصية لينين المعقدة السياسية والنفسية عن سيناريو ممتاز كتبه (يوري ارابوف) والاضطرابات التي مرت به، عن نشوء نظرية وبناء دولة والتغاضي عن انهيار حلم.في واحد من أبرع وأجمل مشاهد الفيلم وربما هو المفصل الأكثر أهمية حيث اللقاء بين الزعيمين ستالين ولينين في شرفة القصر، والعلاقة التي وصلت بين الطرفين لمرحلة خطيرة وعصيبة وانعدام الثقة بينهما فيما أصبح موضوع السلطة الشغل الشاغل عند العامة وأطراف الحزب، ستالين يقبض على السلطة بيد من حديد والرجل الأقوى صاحب القرار على الحزب وأجهزة الدولة ،يقف امام الأسطورة ، التاريخ - لينين- حيث الحوار المهم الذي وضعه ارابوف ليس مجرد كلام منمق من ستالين بل يحمل في طياته تلميحات يفهمها لينين ويرد عليها وكأنه ما زال هو رجل المرحلة، مدركا في قرارة نفسه أنه لم يعد كذلك وان كل الخيوط قد أفلتت من يده، بأداء مذهل يبقى راسخا في وعي المتلقي من الممثل الروسي (ليونيد مزغوفوي) معبرا عن لحظات الانهيار النفسي والذهني للزعيم وهو يرى أحلامه التي وضعها في نظرياته تسحق بالأقدام، لحظات يتخيل فيها انه ما زال صاحب الكلمة العليا ، يصغي باهتمام إلى مبررات ستالين غير المنطقية عن عدم اتصال أعضاء الحزب به، ليرد عليه بأنهم مرضى وان الهاتف في الوزارة لا يعمل، يدرك جيدا انه مخدوع مع ذلك يشعر في قرارة نفسه بأنه ما زال رجل السلطة الأول ،السلطة التي لم تعد سوى حلم في مخيلته وأمام الخدم الذين يحيطون به.التفاتات (ليونيد) والتلاعب بعضلات وجهه وحركة العينين تؤكد انهيار الرجل حتى في اللحظة التي يتساءل فيها: من هذا الرجل الذي زارني؟؟ آه أنه الشخص الذي عينته في منصب بالحزب !!!اختار سوكوروف كما في فيلمه السابق مولوخ ألوانا خاصة ،باهتة للإيحاء بالزمن الذي تجري فيه الأحداث ولتكون الصورة اقرب إلى الوثيقة وكأنها أخذت فعلا أيام تلك المرحلة من تاريخ روسيا .مشهد النهاية هو الأكثر تعبيرا عن عنوان الفيلم وارتباطه بمشهد الافتتاح عندما رأينا لينين وحيدا وعاريا، يتكرر المشهد ونراه وحيدا عاجزا على كرسيه المتحرك بعد أن تركته ناديا لترد على اتصال هاتفي من اللجنة المركزية ، تغيب ناديا وكأن غيابها دهرا، الشمس تنحو نحو الغروب، والضباب يتبخر بلحظة، الصمت يعم المكان من جديد، لا يكسره سوى نداء لينين في العدم، لا احد يرد عليه سوى خوار ثور بعيد، يندمج الصوتان ولا نعرف من الذي يخور، ومن هو الثور؟توروس فيلم يقرأ فيه سوروكوف تاريخ بلده عن الشر المتأصل في النفس البشرية حتى يغدو غولا ،عن الإنسان عندما يخسر كل شيء ويصبح وحيدا منبوذا يائسا كثور جريح يخور ولا يرد عليه أحد.سوكوروف مخرج آخر من طينة العظام الروس الذين ارسوا دعائم السينما نظريا وفكريا، مخرج يبعثه لنا القدر ليتم طريق تاركوفسكيوباراداجانوف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram