هاشم العقابي للحظات لقائنا بالأصدقاء "إيقاعات" قد تختلف عن تلك التي نلتقي بها مع عموم معارفنا وزملائنا. وحتى لقاءات الأصدقاء، هي الأخرى، ربما تختلف في ما بينها "إيقاعيا" من لقاء لآخر. ومن خلال تجربتي، ولا ادري إن كانت عند غيري أم لا، اكتشفت إن أهم تلك اللحظات تأتي حين التقي بصديق وهو في طور انجاز عمل إبداعي. كأن يكون قصيدة أو لوحة تشكيلية أو رواية أو تأليف كتاب. لذا كان لوقع لحظات لقائي المتكرر،
في الأيام الأخيرة، مع صديقي الروائي عبد الله صخي، وقع مختلف. أعتقد أن السبب يعود إلى أن عبد الله في هذه الأيام يعيش في طور وضع اللمسات الأخيرة لروايته الجديدة التي ستكون الثانية بعد "خلف السدة". لم يخل حديثنا من التطرق لأحداث الرواية الجديدة وأبطالها، لكنه كان يجرنا دائما من خيال الرواية إلى الواقع. وحين ننتقل للواقع نقترب أكثر من الحديث عن الصداقة والصداقات ونمر على علاقاتنا بأصدقائنا. اتفقنا، بشكل عام، أن هناك شحة أصدقاء في هذه الأيام كما ونوعا. استعرضنا أسماء كثيرة. فيهم من مات وفيهم من بقي حيا لكنه منقطع عنا، أو نحن منقطعون عنه. عتب ولوم وأحداث اغلبها "دكـايكـ كـشر". وعندما نمر على واحد من أصحاب "الدكايك" يغني عبد الله بصوته الشجي ما قاله الحاج زاير "عندك دكـايك ـ كـشر مارده اكـليبي مرد".قلت لعبد الله: دعنا، حين نمر على الميت من أصدقائنا نتمثل بقول القائل "اذكروا محاسن موتاكم". رد علي: وشلون إذا ما عند الميت حسنات، مو زين منا ما انسبه؟ هاااا! اخترت اسما يندر أن اختلف اثنان منا على انه صديق جميل ونبيل. قلت له لنتكلم عن شريف يا صاحبي ما دمنا الآن نجلس على مقربة من بيته الذي كان يسكنه حتى يوم موته. صدمني جواب عبد الله: ماكو واحد دكـ بينا دكـة مو زينه مثل شريف! معقولة؟! نعم. كيف نعم يا عبد الله وأنا أقصد شريف الربيعي لا غيره؟ رد بطريقة الواثق من رأيه: لقد غدرنا شريف يوم مات وتخلى عنا. صمت قليلا ثم عاد ليقول: يعني ما كان يكـدر ما يموت؟نعم يا عبد الله أتفق معك في هذه. كان شريف لا يشعرنا بطعم الحياة ويبعث وجوده فينا الأمل، حسب، بل كان يبث الحياة في أشياء ماتت بعده مباشرة. خذ هذه منطقة "ويست ايلنغ" حتى حدائقها كانت بالنسبة لنا في أيامه مختلفة. لا ادري كيف يستطيع وبقدرة خفية أن يحولها بحضوره المميز إلى واحات عراقية فتصير وكأنها وطن داخل المنفى. رد عبد الله: أولم تكن شقته الصغيرة وطنا لنا أيضا؟ كم كان وجوده يطرد الوحشة من عيوننا وقلوبنا. أنسيت انه الصديق الوحيد الذي يحبه أطفالنا ويعرفونه ويعرفهم بالأسماء والطباع؟ كيف أنسى يا عبد الله. لقد تركهم بدون "عمو" حقيقي ورحل، أليست هذه أكبر دكـة؟ حقك.صارت الجلسة حزينة دامعة وانتهت إلى صمت مطبق. وبعد أن أوصلت عبد الله بسيارتي إلى بيته عرجت على مقبرة "جرين فورد" التي يرقد بها شريف وأنا في طريقي لبيتي. وهناك وجدت باب المقبرة مغلقا لأنها كانت الثانية عشرة والربع بعد منتصف الليل. لم أجد شيئا أطفئ به حرقة قلبي غير أن أصيح هناك: ليش يا شريف ليش؟
سلاما ياعراق :"دكـة" شريف الربيعي
نشر في: 20 يوليو, 2012: 09:21 م