حازم مبيضين قبل أن يغيب صدى التفجير الهائل في مقر الأمن القومي في قلب دمشق, وقبل أن تجف دماء القادة الأمنيين في منطقة الروضة الدمشقية, كانت أصداء القتال تندلع في شوارع العاصمة السورية التي ظلت عصية على الثوار ما يقارب الستة عشر شهراً وكان المزيد من الدم يتدفق في أحياء الشام العتيقة والنيران تلتهم عدداً من مقار السلطة التي أصيبت بصدمة عنيفة بعد مقتل قادة خلية الأزمة التي كانت مكلفة بالقضاء على " فلول الإرهابيين "
المكلفين بتنفيذ مؤامرة كونية خارجية لإطاحة نظام المقاومة والممانعة وعملياً دخلت الأزمة السورية نفقا مظلماً ظل العقلاء يحذرون من انزلاق بلاد الشام في هاويته المجهولة.عناصر الجيش الحر يقاتلون في شوارع دمشق ورفاقهم يغتنمون الفرصة فيسيطرون على عدد من المنافذ الحدودية وبما يعني تسهيل عمليات الانشقاق الجديدة عن الجيش النظامي, إضافة لتوفر الفرص لإدخال المزيد من الأسلحة للثوار تتجاوز البنادق والرشاشات وبما يمنحهم قوة مضاعفة لمواجهة أسلحة الجيش النظامي الذي يخوض معارك متنقلة ومرهقة في أكثر من موقع وتمتد على كافة خريطة الوطن السوري من أقصاها الى اقصاها.الفرصة اليوم مواتية لإطلاق المزيد من الشائعات, بعضها تحدث عن إصابة الرئيس في محاولة لاغتياله, وبعضها عن إصابة شقيقه ماهر, وأخرى عن فرار زوجته إلى معاقل " العلويين " في الشمال, وتتناثر أنباء مرعبة عن خطط النظام لاستخدام أسلحته الكيماوية, بينما تسعى جهات بعينها لإشاعة أن تفجير خلية الأزمة كان عملية استباقية منعت انقلاب قصر كان في المراحل الأخيرة من الإعداد, والفرصة اليوم مواتية لأركان المعارضة في تصدر أخبار الفضائيات وهم يعلنون أن نظام البعث يعيش لحظاته الأخيرة, في حين يستضيف الاعلام السوري محللين غير معروفين يتحدثون بلغة خشبية عن الممانعة والمقاومة والمؤامرة, ويحاولون أن يسرحوا بعقول المشاهدين وهم يحملون القوى المتآمرة مسؤولية كل ما أريق من دم في بلاد الشام.في الوجه الآخر, وهو الصراع على سوريا, إن ابتعدنا قليلا عن الصراع فيها, جاء الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن, وهو الثالث في نفس الإطار, ليحبط قراراً أممياً بشأن وقف العنف, وبما يعني عملياً منح مزيد من الوقت للمتصارعين على الارض لإراقة المزيد من الدماء,وإذا كان طبيعياً أن ترحب دمشق بموقف موسكو وبكين الداعم للنظام فإن الطبيعي أيضا أن تتهمهما المعارضة بمنح مصالحهما الخاصة أولوية على مصلحة ملايين السوريين, وبما يمنع أي فرصة للتوصل الى انتقال سلمي في سوريا يمنع نشوب حرب أهلية باتت في واقع الأمر حقيقة قائمة على الأرض, ويعني هذا عملياً عدم التمديد لمهمة المراقبين الدوليين لمدة 45 يوماً، مع العلم أن مهمتهم متعثرة وبائسة ولامعنى لها, ولم تترك أي أثر إيجابي في مرحلتها الأولى.في ظل تعنت النظام السوري وتمسكه بالحل الأمني, وعزوف معارضيه عن أي حوار معه لفقدانهم الثقة بصدقيته, وصلت سوريا إلى هذه المرحلة البائسة, التي قد يعني بعض مفرداتها التقسيم والحرب الأهلية, وتدمير مقومات الدولة, والمهم أن سوريا بعد تفجير خلية الأزمة هي غير ما كانت عليه قبلها.
في الحدث :سوريا تدخل النفق المظلم
نشر في: 20 يوليو, 2012: 09:49 م