احمد المهناالأغلبية العربية والاسلامية، السنية، عارضت انتفاضة آذار 1991 العراقية. وعلى العكس من ذلك فان الأقلية العربية والاسلامية، الشيعية، هي التي تعارض الثورة السورية اليوم. والموقفان، على تناقضهما، ارتديا قناع فكرة جامعة واحدة هي عداوة أميركا.
الذين وقفوا ضد انتفاضة العراقيين عللوا موقفهم بمعارضتهم للحرب التي قادتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت. وبدا أن من العسير عليهم الوقوف الى جانب انتفاضة ضد نظام حكم محلي في وقت كانت القوات الأميركية تحتل جزءا من الأراضي العراقية. وهكذا فان الطيف السياسي العربي الواسع المعادي للغرب لم ينظر بعين العطف الى الانتفاضة العراقية. وكان اللون الديني الغالب على هذا الطيف هو المذهب السني.والذين يقفون ضد ثورة السوريين اليوم يعللون موقفهم بكون النظام السوري رأس جبهة "الممانعة والمقاومة" ضد اسرائيل واميركا. والأقلية التي تتخذ هذا الموقف، وهي على نحو خاص حزب الله في لبنان والحكومة الاسلامية في ايران، شيعية صراحة في الفكر السياسي والمذهب الديني. وهذه الأقلية نفسها كانت قد نظرت بعين العطف الى انتفاضة 1991، التي كانت شيعية وكردية الطابع.وما يجمع الموقفين، أي المعارضة لانتفاضة العراق أمس وثورة سوريا اليوم، واحد: الوقوف ضد تطلع الشعبين الى التحرر من نظامين شموليين، وفي الوقت نفسه الوقوف ضد اسرائيل واميركا خاصة والغرب عامة. ان هذا الموقف الواحد يضع، بطريقة أو أخرى، تطلع شعبي العراق وسوريا في صف واحد مع اسرائيل وأميركا والغرب. لقد قادت النظرة الطائفية السنية، المواربة، المعارضة لانتفاضة عام 1991 الى لقاء غير متوقع ولا محسوب بين شعب العراق واسرائيل واميركا والغرب في الموقف المعادي لصدام. وتقود النظرة الطائفية الشيعية، الصريحة، الى اصطفاف غير محسوب بين شعب سوريا واسرائيل واميركا والغرب في الموقف المعادي لبشار.النظرة الأولى كانت تباعد بين الأغلبية العربية الاسلامية السنية وبين "جبهة الغرب". والنظرة الحالية تباعد بين الأقلية العربية الاسلامية الشيعية وبين "جبهة الغرب". ويبدو أن "الربيع العربي" بالجملة، وهو سني المذهب في الدين، وان يكن متعدد الاتجاهات في السياسة، يقارب بين الأغلبية العربية الاسلامية السنية وبين جبهة الغرب. بينما يتباعد "المعسكر الشيعي" أكثر فأكثر عن جبهة الغرب، وينعزل اكثر فأكثر عن العالم، لأسباب كثيرة أحدها الموقف من الثورة السورية، وأهمها البرنامج النووي الايراني، مضافا اليه برامج الفوضى التي ترعاها ايران في أي بلد تستطيع أذرعتها الوصول اليه.ولم يكن هذا الوضع مما ينقص الشيعة! فقد كان ومازال تاريخهم حافلا بالمظلومية. والحكومات والقوى السياسية، التي تزعم تمثيلهم اليوم، لا تفعل شيئا في الواقع غير اعدادهم لمراكمة تلك المظلومية، من خلال جعلهم رأس حربة في "مواجهة الغرب"، وبالتالي ضمهم في مواقف متعارضة مع الشرعية الدولية، بل ومع اتجاهات العصر عموما.لقد عرف الشيعة في التاريخ الحديث باندفاعهم المميز نحو الأفكار السياسية العصرية، حيثما وجد لهم ثقل سكاني، وبالذات في ايران والعراق ولبنان. وكانوا كما كان اليهود سباقين الى الأفكار التقدمية في الغرب. ومثلما تراجع اليهود عن تلك الأفكار وانكمشوا في حصن فكرة ارتيابية من العالم هي الصهيونية، يبدو الشيعة، او على الأقل القوى السياسية المتحدثة باسمهم، وكأنهم يفعلون الشيء نفسه اليوم، وبالخصوص في الموقف من ذروة "الربيع العربي" في سوريا.
أحاديث شفوية:السنة والشيعة بين تعارضين
نشر في: 20 يوليو, 2012: 10:20 م