TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن:تخيلوا.. دولة القانون بلا قانون

العمود الثامن:تخيلوا.. دولة القانون بلا قانون

نشر في: 20 يوليو, 2012: 10:23 م

 علي حسينولما كانت السنة السادسة من المسيرة المظفرة للنائب المقرب جدا من رئيس الوزراء، وبينما الرجل يقف محدقا في خارطة الانجازات الكبيرة التي حققها ائتلاف دولة القانون للعراقيين جميعا، جاءت السيدة زوجته وأشعلت النيران في الجهة اليمنى من الخارطة، بالأمس فقط سخر نائبنا صاحب الانجازات العظيمة من شباب التظاهرات حين اتهمهم بتنفيذ أجندات خارجية مؤكدا أن "المزعج في هذه القضية ليست التظاهرات بل الجهات التي تقف وراء تنظيمها وتحريكها .
وحين اطل على المتظاهرين من فوق إحدى البنايات القريبة من ساحة التحرير كان يمني النفس أن يجد يافطات حزب البعث وحين غابت الشمس ولم تتحقق أحلامه وأحلام الحكومة اشتاط الرجل غضبا وقرر أن يعاقب هؤلاء المارقين الذين رفعوا لافتات تندد بالفساد والمفسدين وتطالب بتوفير الخدمات والأمان للناس. في تلك الأيام طلب منا النائب الهمام أن نقدم الاعتذار للحكومة، على هذا الجحود ونكران الجميل وإساءة تقدير خطب السيد المالكي، وأن نفهم طبيعة "المنعطف الخطير" للمرحلة.. وان ندرك اننا نعيش عصر القرارات الإستراتيجية.. ولكن الأهم أنه أوصانا بان نحتكم للقانون، بل انه ذهب ابعد من ذلك حين اخبرنا بان لديه مشروع " قانوني " لإقالة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي.وحتى لا ادخل القارئ في متاهة فسأسرد حكاية الحريق الذي اشتعل في جزء من انجازات نائبنا القانوني. فقبل أيام قرأت على العديد من المواقع الاخبارية هروب زوجة نائب مقرب جدا من المالكي الى خارج العراق بعد ان تسببت بدهس طفلين، الأول توفي والثاني بترت ساقه، ووجدت على موقع صحيفة الاستقامة من يقول بان النائب سهل سفر زوجته إلى خارج العراق على الرغم من وجود قضية ضدها في المحاكم العراقية، وأنا اقرأ هذه الاخبار قلت ربما ان الأمر لا يخلو من غبار معارك وصراعات بين الكتل السياسية، ولكن المثير في الأمر حقا هنا هو صمت السيد النائب أمام قضية يكفي سطر واحد منها، لو كان صحيحا لانتحار النائب، في بلد متخلف مثل اليابان التي لا تزال تعيش أوهام القانون، ونزاهة المسؤول ومحاسبته باعتباره مواطنا عاديا لا مبعوثا من العناية الإلهية لتعليم الناس فنون الفضيلة والأخلاق.. وقلت في حينها ان هناك أكثر من احتمال في حادثة زوجة نائب دولة القانون، فإما أن السيدة مذنبة وتستحق العقوبة، أو أنها ضحية صراع بين أطراف العملية السياسية، أو أن الأمر يتعلق بتهمه لم تثبت حتى هذه اللحظة. شخصيا كنت أتمنى أن يكون الاحتمال الأخير حفاظا على سمعة منجزات نائبنا الموقر، لولا أن احد الزملاء كان شاهدا للحادثة فرواها لي بالتفصيل الدقيق.. فالسيدة التي كانت تستقل سيارة رباعية الدفع لم تكن تتقصد دهس الأطفال، لكنه حادث عرضي، راح ضحيته طفلان لموظف كبير في احدى مؤسسات الدولة.. في تلك اللحظة توهمت الأجهزة الأمنية أن بإمكانها اقتياد السيدة إلى اقرب مركز شرطة لأخذ أقوالها ومعرفة أسباب الحادث ولم يدر بخلدهم أن صاحبة سيارة الدفع الرباعي هي زوجة النائب "كمال الساعدي" الذي رفض أن تطأ اقدام "الحجية" مركز الشرطة.. ويضيف الزميل الشاهد على الحادث ان صاحبنا النائب وبعد ساعات من الجدال والاتصال بالمسؤولين الكبار قرر أن يذهب بزوجته إلى احد المستشفيات لأنها تعرضت لانهيار عصبي بسبب الحادث.. بعدها تم كتابة النهاية لهذا الفيلم المأسوي باختفاء اثر الزوجة.هكذا ضرب القانون بعرض الحائط.. ليجد بدلا عنه نظاما يرفع شعار "من أنت وما قوة علاقتك بكبار المسؤولين"، كلها عوامل حاسمة في تحديد القانون الذي ستحاسب على أساسه، كل شيء يمكن ان يصحح وفقا للظروف وللمحسوبية، والخطأ لا يؤدي بالضرورة إلى العقاب، ملايين الفقراء يدفعون ضرائب يومية عن فقرهم بينما لصوص اليوم يصنعون الثروات الضخمة ولايجرؤ أحد حتى على سؤالهم من أين لكم هذا؟أينما يولي المواطن المسكين وجهه سيجد ظلما فاحشا، ويجد من يأخذ شيئا لا يستحقه وآخرين محرومين من أبسط حقوقهم. أينما ينظر سيجد محسوبية ووساطة ورشاوى واستثناءات.هروب زوجة النائب شكل جديد من أشكال الفساد المالي والاداري والذي سيضاف الى قائمة الافعال التي يتفرج عليها القانون. مشكلتنا اليوم ليست في الفقر وغياب الخدمات ولا الإرهاب فقط.. مشكلتنا تتلخص في كلمتين: غياب القانون.ولا يمكن للقانون أن يتحقق في ظل المحسوبية، والانتهازية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram