ياسين طه حافظ (1-3) وأنا أقرأ لأول مرة نصوصاً للسيدة الدكتورة ماجدة غضبان المشلب، رأيت كتابةً حاصرت المسلَّمةَ الأدبية والمسلَّمة الفكرية بخطاب نسوي. هذا الخطاب ما رسمته تراكيب لغوية طويلة ولكن ضربات قصار بأشباه جمل هي عبارات أكثر مما هي جمل يرتضيها النحو.
القراءة الأولى كانت لنصوص نشرتها في "طريق الشعب"، وهناك انتبهتُ لها. سألت الأصدقاء عن الكاتبة، فعلمت أنها سيدة بيت الصديق سامي النصراوي، فتحت الجوال عليه والتقفت منه رقم جوّالها. كانت تلك الساعة في لندن وفي ظرف رأيته غير ملائم لحديث الأدب. قطعت المكالمة إلى وقت أكثر سماحة. بعد أيام سمعت صوتها ووصلتني نصوصها:مجموعات شعرية، لم تنشر! فأية غرابةٍ في النصوص فعَّلَتْ هذه الحماسة؟ أقول: هو خروج النص النسوي على التقليد الذكوري المألوف وتميّز نبرة الهجوم على المضمون الذكوري والاجتماعي المساند، أو الخاضع، له. وذلك ما أنا معنيّ به متابعاً بذور التأسيس للحركة النسوية- باتجاهها العالمي- في العراق.التحليلات التي نتجت عن نظريات الخطاب، بانحيازاتها الماركسية واللبرالية والدينية المسيحية، تقول إن الخطاب ترجمة للتاريخ هو يتضمن تفسيراً لعلاقات قوى السلطة. واشتباكات أو تواطؤات هذه العلاقات تُقرأ من خلال ظاهرة الخطاب المتيسّرة في كل مرحلة زمنية. ولأن الخطاب ترجمة للتاريخ الاجتماعي، فهو يكشف الاهتمامات الاجتماعية وأساليب التحكمّ. وبهذا تتصل تحليلات الخطاب بالاهتمامات السياسية لزمن الخطاب. وبسبب ذلك أيضاً تشتمل المعرفة المدْرجَة في الخطاب على جملة مفاهيم وجملة عروض لتلك المفاهيم وهناك، بينها، يظهر الممنوع. إذن ثمة معركة بين المعرفة والسلطة في مدى الخطاب وحركته.الفرص المتاحة للنساء في هذه المعركة (معركة الخطاب) هي أن يؤكدن فيها أنوثتهن، دورهن الاجتماعي والمعنى الذي تتضمنه خبراتهن. هذه الفرص ليست كثيرة نسبياً وهي تتواجد في شبكة حاكمة من العلاقات يمكن أن تلحظ عبرها ترجمات متخفية للأنثوية، منها التقسيم الجنسي للعمل والحركة في الحياة، كما تقررها قوة التأسيسات المنظمة للهيمنة والاختراقات الأنثوية الدائمة، على قلتها، لتغيير هذه التقسيمات يقابلها العمل لحفظ الهيمنة ومن ذلك تحريك بعض مواد القوانين ثم إرجاعها.نحن إذن في حالة "حَرَج الفرص"، في حالة احتدام وقمع الخطاب، في حالة تسلل السلك الناري للقشرة الخارجية واختراقها.هنا، صرتُ تماما في مدى النص، في المدى الحسيّ والفكري الذي نقرأ فيه شعر ماجدة غضبان، وقد بدأت نصوصها تكشف بعضا من معركة الخطاب، بعضا من الكراهية المستساغة على مضض:عيناهاقبران هائلانفُُتحا حديثاًفكم استوعبت هاتان العينان من موت، من دفن، من زمن، مدمَّرٍ وحياة؟ترى أين ذهبتعظاممن دُفنوا أحياءفي رطوبة محجريّ؟ولكي نفهم ما يتولد من سيرة الخطاب وعمل العلاقات، علينا أن نفهم الشبكة الداخلية لتلك الخطابات ونعرف الجوانب المتصلة بها والأشكال المُنْتَجة مؤسساتيا من خلالها. فكل هذه لا تترك الخطاب نقيّاً، لا تترك الأنثوية حرة الحركة فيه. هي تعدم المساواة في فرص الكشف. في أحسن الأحوال يفقد الكشف الأنثوي عنفوان تحرّكه. ما يتضح هو إعاقات السلطة الذكورية في تقليديتها، هي تعمل على صنع العثار، تربك الخطاب أو تحرفه فلا يبقى أنثوياً "قحُّاً"!هو من يدعنيارتدي نفسيلأُمزّقها صباحاًحتى تتمرّغ العيونعلى جسديثمة مساومة لكي تستمر الحياة. هو العيش ضمن الإقرار بالواقع: تتمرّغ العيون على جسدها بعد أن تمزق نفسها التي ارتدتها صباحا. هذا هو طريق العيش: التضحية بالذات وتحمل شراهة عيون تريد لحمها. الروح محاصرة في زاوية تريد حماية، تريد الاحتفاظ بمعناها. الإنسانية محاصرة برداءات الطريق إلى الخبز. وما أن تتم قراءة ذلك المقطع حتى يفرض التقليد أنماطه، فيغيّب الصوت النقي والمباشر الذي كان وراء السائد والمصنوع:هل ستحمل الأشعارجرحي الغائرفي جسد الساعات؟لقد عرف التقليدُ واللاحقيقي، كيف يُسرّب نار المقطع الأول: الساخن هو من يدعني.....، لنجد أنفسنا أمام كلام هلامي عليه برودة التقليد. لكن ما يظل مشتعلاً هو المقطع الأول الأنثوي الصادق والحاسمهو من يدعُني ارتـدي نفسي لأمزقـها صباحا حتى تتمرغ العيون على جسدي...هناك نجد ماجدة غضبان الأنثى المتوهجة والساخطة على الرداءة حولها.ولكي نستكمل عرض الإشكال الأنثوي في الخطاب، لا بد من معرفة صورة المرأة من خلال تأكيد "النقد الأنثوي" على حضور المرأة في الرواية وفي بعض الشعر والسينما والإعلام. صعوبة تحليل النص في الشعر تبدو أكثر. لكن النقد الأنثوي حقق نجاحات في فرز النصوص الأنثوية الشعرية وتحليلها. وقد صدرت أعداد طيبة من هذه الدراسات والكتب، احدها ترجم إلى العربية وهو "الصوفية النسوية" الغوص عميقا والصعود إلى السطح"... لكارول كويست وبترجمة الأستاذ مصطفى محمود عن آفاق المصرية. صحيح أن هذه مسألة يشترك فيها النساء والرجال ولكن تحليلات النصوص الشعرية الأنثوية لا يسندها تاريخ طويل، جديدة هي علينا. الخلفية ذكورية. لكن هذه الحقيقة لم تحل تماما دون ظواهر جديدة تفرض حضورها وتسهم في التحولات التي نشهدها في
فـي الشـوارع المدلهمـة بالفقـر قراءة أولى في قصائد ماجدة غضبان
نشر في: 21 يوليو, 2012: 06:08 م