TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق .. معارك "الركي"

سلاما ياعراق .. معارك "الركي"

نشر في: 21 يوليو, 2012: 06:16 م

 هاشم العقابيحتى منتصف الثمانينات، وهي الفترة التي غادرت بها العراق مفضلا المنفى اختيارا، لم أعتد سماع مفردة "مغشوش" خاصة في مجال الأطعمة والأشربة، إلا عند الحديث عن المشروبات الكحولية. آخر ما كان يخطر على بالي سماع  أن هناك "ركي مغشوش". ليس، هذا فقط، بل إن "غشه" قد تسبب في اشتعال معارك دامية دارت رحاها في سوق ناحية العظيم التابعة لقضاء الخالص.
تقول إن أحد سكان مدينة بعقوبة دخل في معركة مع بائع رقّي كادت أن تودي بحياته عندما حاول استبدالها لأنه وجدها "فطيرة". وينقل التقرير الإخباري عن الضحية، الذي  كانت آثار ضربات المكيال من قبل بائع الرقّي بادية على وجهه ورقبته بعد أن اتخذ قرارا بمقاطعة البطيخ العراقي بمختلف أنواعه، قوله: "أتيت لشراء رقيّة. لم اطلب من البائع سوى إرجاعها بعد أن شقها بالسكين وظهرت بيضاء، فقال لي اشتر جديدة إحنا ما نرجّع. فحصلت بيننا ملاسنة فإذا به يضربني بالمكيال".قرأت التقرير بلهفة مستغربا كثرة معارك "الركي" في سوق العظيم بسب رداءة أنواعه بعدما كان  مثالا للجودة مثل رقي سامراء والموصل. لم يضحكني غير تفسير للمجلس البلدي لناحية العظيم الذي اعتبر أن الحديث عن الرقي غير الناضج ما هو إلا نوع من المؤامرة لتشويه سمعة الإنتاج المحلي، مؤكدا أن الرقي غير الناضج "يأتي من خارج الناحية وينسب إليها"! أرى المجلس وكأنه يفسر قضية "الركي الفطير" كما فسر دولة القانون مشروع "سحب الثقة". مؤامرة خارجية!عدت بذاكرتي إلى الوراء لعلي أتذكر معركة من معارك "الركي" فلم أجد. تذكرت فقط أننا كنا نتضارب في ما بيننا بـ "كشور الركي" للمزاح عندما كنا شبابا. واحدة من الحوادث ما زلت أتذكرها جيدا يوم قررنا أن نتمشى لزيارة الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع في أيام ما يسمى بالجبهة الوطنية في مطلع السبعينات. كنا مجموعة من الشعراء الشعبيين فينا الشيوعي والبعثي والمستقل. وحين وصلنا بيت كاظم صرنا نتجول في السوق الشعبي القريب من داره. وهناك وجدنا أكواما من قشور الرقي فبادر عريان السيد خلف لالتقاط قشر منها وضرب به احد الشعراء. استهوتنا الفكرة فالتقط كل منا مجموعة من القشور وصرنا نصوبها صوب بعضنا البعض. وفجأة عثر جمعة الحلفي على رقيّة "مكيّه" فأودعها رأس احد الشعراء وكان بعثيا. صاح البعثي: أنها مؤامرة ولو لم أكن بعثيا لضربتني بقشر مثلما ضربكم، وهذه لا بد أن اكتب بها تقريرا للحزب. انقلب المزاح إلى خوف. كان أشدنا خوفا جمعة الحلفي لأنه المتهم. سادنا الصمت واحترنا كيف نخفف التوتر الذي ظل قائما رغم جهود التهدئة التي بذلها كل من عريان وكريم العماري وكاظم الكاطع.فجأة اختفى جمعة، ثم عاد وهو يخبئ  يديه خلفه. ثم رفعهما وإذا به يحمل رقية "مكيّة" أخرى اضرب من الأولى و"هَطَرَها" برأس  فاضل الربيعي، رفيقه الشيوعي في تلك الأيام، كي يثبت براءته. وفعلا خف التوتر قليلا ثم تلاشى وعدنا للتضارب بالقشور من جديد. وهكذا تكون المحاصصة  يا جمعة الحلفي، وإلا فلا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram