يحيى الكبيسي يتضمن القانون جملة من الاشتراطات غير المسوغة، والتي لا يمكن فهمها على أنها محاولة من السلطة التنفيذية للتدخل المباشر في شؤون الأحزاب. فالمادة 18/ ثانيا من القانون نصت على أنه "إذا كان في نية الحزب إجراء أي تعديل على النظام الأساسي للحزب أو برنامجه فعليه
أن يقدم طلبا بهذا الخصوص لمحكمة القضاء الإداري وتتبع نفس الإجراءات المنصوص عليها بالمواد (11/12/13/14/15/16/17) والمتعلقة بإجراءات طلب التعديل والمرافعة والنشر والطعون". أي الإجراءات نفسها المتعلقة بتأسيس الأحزاب! ولا يمكن فهم هذا التعقيد غير المسوغ إلا على أنه جزء من إرادة الهيمنة، وإلا لماذا لا يكتفى فقط بإخبار الجهة المشرفة على الأحزاب بهذا التغيير ؟يناقش البرلمان في فصله التشريعي الحالي مشروع قانون الأحزاب السياسية المقدم من الحكومة العراقية، والملاحظة الرئيسة على هذا القانون تتمثل في إرادة الهيمنة الصارخة للسلطة التنفيذية على الأحزاب السياسية بطريقة لا يمكن أن تتسق مع الديمقراطية "المفترضة" في العراق. فالقانون بصيغته المقترحة يعطي لمحكمة القضاء الإداري الصلاحية المطلقة في قبول أو رفض طلب تأسيس الحزب كما نصت على ذلك المادة 13/ثانيا من القانون. إن اعتماد محكمة القضاء الإداري،بدءا، يعني تحكم السلطة التنفيذية بمسألة ترخيص الأحزاب. ذلك أن محكمة القضاء الإداري بموجب قانون تشكيلها رقم 106 لسنة 1989 هي أحد مكونات مجلس شورى الدولة الذي يتبع وزارة العدل. كما أن المحكمة تتألف بموجب المادة 7/ثانيا من قانونها من قاض من الصنف الأول أو مستشار من مجلس شورى الدولة (رئيسا) وعضوين من القضاة لايقل صنفهما عن الصنف الثاني أو من المستشارين المساعدين في مجلس شورى الدولة. وهذا يعني أن المحكمة يمكن أن تتشكل كلية من مستشارين في مجلس شورى الدولة، أي موظفين مدنيين يتبعون السلطة التنفيذية من دون أي قاض! وتنص المادة 19/ أولا من القانون على أن "تستحدث دائرة تسمى (دائرة شؤون الأحزاب السياسية) ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة العدل". وتختص هذه الدائرة تبعا للمادة 19/ثانيا بما يأتي:أ- متابعة اعمال ونشاطات الاحزاب السياسية وتقييم مدى مطابقتها وامتثالها لاحكام القانون. ب- تقديم مقترح إلى وزارة المالية بالتقدير السنوي للمبلغ الكلي للإعانة المالية للأحزاب. ج - رصد المخالفات الصادرة عن الأحزاب السياسية والتحقيق فيها. د- تقديم الطعون أمام المحاكم المختصة في القرارات الصادرة عنها والمتعلقة بشؤون الأحزاب السياسية. هـ- حضور جلسات المحاكم في القضاء المتعلقة بالأحزاب السياسية. و- تحريك الشكاوى والدعاوى ضد الأحزاب السياسية أو أي عضو من أعضائها عند مخالفة أحكام القانون. أي أن السلطة التنفيذية، عبر وزارة العدل، وعبر دائرة الأحزاب السياسية هي التي ستفرض وصايتها بالكامل على الأحزاب السياسية! بل سيكون لها بموجب الفقرة د حق الاعتراض على ترخيص الأحزاب! وهذا أمر غير مسوغ تماما.وتنص المادة 40/ أولا من القانون على أنه "يجوز حل الحزب بقرار من محكمة القضاء الإداري بناء على طلب مسبب يقدم من دائرة الأحزاب في إحدى الحالات الآتية:(أ) : إذا لم يشترك الحزب في انتخابات مجلس النواب وانتخابات المجالس في الإقليم أو المحافظات غير المنتظمة بإقليم في دورتين انتخابيتين متعاقبتين . (ب) : فقدان شرط من شروط التأسيس المنصوص عليها في المادتين (7) و (8) من هذا القانون . وبعيدا عن فكرة تحكم السلطة التنفيذية بذراعيها: محكمة القضاء الإداري ودائرة الأحزاب في مسألة حل الأحزاب وما يعكسه من إرادة هيمنة وتحكم صريحتين! فإن الفقرة أ تربط ربطا غير مسوغ بين شرعية وجود الحزب والانتخابات، وتجعل وجود الحزب واستمراره رهنا بمشاركته بالانتخابات، وهذه بدعة عراقية خالصة، وسبق يسجل للمشرع العراقي، لأن لا أحد فكر بمثل هذا الربط، ببساطة لأنه ربط تعسفي غير مسوغ أو مفهوم. فتشكيل حزب أو الانتماء إليه حق أقره الدستور العراقي من دون أن يقيده بقيد الانتخابات.أما الفقرة ب فتحيل إلى المادتين 7 و8 ، وهما مادتان عامتان تتيحان للدائرة طلب حل أي حزب تريد لأسباب سياسية بحت، فضلا عن أنها مادة تقيد حقوقا وحريات نص عليها الدستور العراقي.ويشكل البعد الأمني وليس التنظيمي هاجسا حقيقيا في متن القانون المقترح، فالمادة 11/ثانيا/ هـ من القانون اشترطت أن ترفق مع طلب التأسيس "نسخة من صحيفة سوابق كل عضو مؤسس ترسل من قبل وزارة الداخلية/ دائرة الأدلة الجنائية تؤكد خلو صحيفته من أي حكم قضائي بات عن جريمة القتل العمد أو جريمة مخلة بالشرف أو جرائم الإرهاب أو الفساد المالي أو الإداري خلال مدة (30) يوما من تاريخ تقديم الطلب". وهذا يعني أن امتناع وزارة الداخلية عن إرسال صحيفة السوابق؟ أو تأخرها في ذلك أكثر من 30 يوما؟ سيجعل طلب الترخيص غير مستوف للشروط ومن ثم يهمل. وهذا يعني عمليا تحكم السلطة التنفيذية عبر وزارة الداخلية هذه المرة بمسألة ترخيص الأحزاب من خلال قدرتها على استخدام هذه المادة في منع
قانــون الأحــزاب وإرادة الهيمنـــــة
نشر في: 21 يوليو, 2012: 06:38 م