احمد المهناالحكم على شرعية أو لا شرعية سياسة ما يعتمد على مقياس. وهذا المقياس يجب أن يكون شرعيا بدوره. وشرعية المقياس تُستمد من انسجامها مع القانون الدولي الذي يتمثل بأنظمة الأمم المتحدة.
وأهم صيغ الشرعية التي تقاس بها سياسات الدول هي "حقوق الانسان". كما أن مقياس شرعية حركات التحرر الوطني هو حق تقرير المصير. وليس هناك تصادم بين حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبين حق الأفراد في تقرير مصيرهم. كلاهما حق مشروع بمنظور شريعة الأمم المتحدة.وفي العالم العربي توجد قضايا تحرر ديمقراطي بعدد الدول العربية. ذلك أن ايا منها لم يستطع الى اليوم ارساء نظام ديمقراطي راسخ. وفي المقابل توجد قضية تحرر وطني رئيسية واحدة هي القضية الفلسطينية، حيث آخر احتلال أجنبي،هو الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية.وقد دارت مناقشة تاريخية، بعد النكبة ثم النكسة، حول التنازع بين التحرر الديمقراطي وبين التحرر الوطني: هل الأولوية في السياسة العربية للنضال من أجل قيام الديمقراطية أم للتحرر من الاستعمار الاسرائيلي للاراضي العربية؟ وكان جواب ما عرف يوما بالحركات والأنظمة "التقدمية" يتمثل بالشعار الشهير "كلُّ شيءٍ من أجل المعركة". أي تجميد كل شيء في داخل البلدان العربية مقابل تحريك كل الامكانيات والطاقات العربية من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية الأخرى.ولم يمض وقت طويل حتى بدأت مرحلة أخرى من التفكير العربي، مع نهاية السبعينيات خصوصا، اتضح خلالها عقم أولوية الخارج على الداخل، والحاقها أفدح الأضرار بمسيرتي التحرر الديمقراطي والوطني معا. فباسم فلسطين ظهرت أنظمة شمولية لعبت "طوبة" بشعوبها وبالفلسطينيين معا. فقد استعبدت شعوبها وخدمت اسرائيل خدمة لا تقدر بثمن، سواء باظهارها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، أو باستنزاف الشعوب العربية وإنهاكها بحكومات وحشية وقاسية وفاسدة.ولم يعد أحد يجادل، الا قلة، في أولوية الداخل على الخارج، أو في أن الديمقراطية أهم من مقاومة اسرائيل، بل وفي ان التحرر الديمقراطي يخدم هذه المقاومة بالذات، لأنه يقوي العرب في أي مواجهة مع اسرائيل. أما القلة التي أبقت ذلك الجدل قائما فهي أطراف ما يسمى جبهة "الممانعة والمقاومة"، وهي ايران وسوريا وحزب الله. والوضع السوري اليوم بالذات ينعش ذلك الجدل. ويعد حزب الله عماد فكرة " الممانعة والمقاومة"، لأنه ميليشيا قوية لعبت الدور الرئيس في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي. والسؤال، بعدما أصبح تحرير لبنان تاريخا، هو: وفقا لأي مقياس نحكم على هذا الحزب خاصة، وعلى جبهة "المقاومة والممانعة" عموما؟ هل بمقياس الديمقراطية؟ أم بمقياس التحرر الوطني؟ان الميليشيا لا تخدم الديمقراطية في أي بلد، لأن وجودها يتعارض بالأساس مع حكم القانون. ولبنان من دون حكم القانون بلد ضعيف بالضرورة. وان اقلاق ميليشيا حزب الله لإسرائيل ليس سببا لتقوية لبنان أو لتقوية النضال من أجل فلسطين، أكثر مما هو سبب لتقوية حجة اسرائيل ضد السلاح الخارج على القانون. كما أن شمولية النظامين الايراني والسوري تسوِّد صفحة "الممانعة"، لتعارضها تعارضا جذريا مع الديمقراطية. فالشمولية نظام عبودية معممة.والحال فان "جبهة الممانعة" يمكن أن تخدم أي شيء، بما في ذلك اسرائيل المعنية عناية تامة بإضعاف العرب، ولكن بالقطع ليس حقوق التحرر الديمقراطي أو الوطني.
أحاديث شفوية: سوريا تُنعش مناقشة تاريخية
نشر في: 21 يوليو, 2012: 09:37 م