عباس الغالبيأطل علينا الشاعر ياسين طه حافظ بعد عقده السبعين في ديوان جديد مثّل انتقالة في الكتابة الشعرية، وكان أكثر اتقاناً ورسوخاً واحكاماً في بناء القصيدة. العنوان (ولكنها هي هذي حياتي) يحيلك مباشرة الى رئائية للنفس، لكن حين نقرأ الديوان نجد كشفاً واسعاً لمواجع عراقية توزعت بين الموت الفاجع لبعض الاسماء التي عايشها وعاصرها الشاعر ياسين طه حافظ ، وبين الحياة الصعبة التي مرت بها بعض الأرواح من شخصيات الفكر السياسي التي تصارعت مع الشر.
ويلامس الديوان ايضاً يوميات في النضال السياسي وتداعياته في قصائد توزعت بيت موت الصحفي وشاعر صعلوك مثل عبد اللطيف الراشد، وشاعرات مثل سيدة النار والليل، وشاعرة أخرى وصفها الشاعر ياسين طه حافظ ببهجة الأزمنة، وبين كادح عامل سياسي اسمه مزهر وشخصية يعرفها، يظهر أن الشاعر يعرفها وعايشها عن كثب وعن المناضل الماركسي المعروف صفاء الحافظ والاديب والمفكر كامل شياع وشخصيات اخرى مر عليها في قصيدة آخر الديوان (اعتذار لمن لم اكتب عنهم)، وفيها يؤكد انه شاعر يحس بمسؤولياته الاخلاقية من الحياة والناس، وهي مزية تذكر لشاعر مثل ياسين طه حافظ.وموضوعات القصائد في هذا الديوان تجمع بين المحلي والانساني العام وتلك ملامسة دقيقة للاوجاع والمباهج العراقية سواء في قصائد الحب او في القصائد ذات السمات و المنحى الرثائي او قصائد الكشف عن الواقع بما فيه من قوالب انسانية في العيش وما فيه من محنة لأرواح المرهفين وذوي الافكار.وفي هذا الديوان كذلك تسجيل دقيق طالما دأب عليه الشاعر، وتدرب عليه مبكراً، وتنامت قدراته على النفاذ الى الحياة والتقاط حالات الحرج والمشاهد المؤثرة والمثيرة، وكان يربطها جميعا بالافكار ، فهو شاعر مثقف وليس شاعر كلام فحسب.وطغت على هذا الديوان قصائد التفعيلة التي يبرع فيها الشاعر كعادته ونلاحظ فيها تحولاً لافتاً في تركيب الجملة الشعرية، اذ تبدو جملة هذا الديوان جملة عوملت بحزم وبرقابة شخصية شديدة، حيث ان المفردات مختارة بعناية فائقة لتخدم الدقة التي سعى اليها الشاعر في كتابة هذه القصائد.ولاحظنا في هذا الديوان أيضاً حضورا لقصائد النثر على قلتها وكانت قصائد النثر هنا بمثابة تسجيل للهم المباشر وهي قصائد في داخلها خطاب، حيث احتاجت هذه القصائد كما يبدو الى الخطابة ، والخطابة بدورها احتاجت الى النثر ولكن بموسيقى تقارب النبر المستعمل في الشعر الاجنبي ولذلك لا بد من قصائد النثر.وكان السرد كما هو طبع الشاعر ياسين طه حافظ حاضراً في قصائد هذا الديوان فهو صفة تكاد تكون ثابتة في شعره، وفي اغلب القصائد كان المنولوج (الحوار الداخلي) حاضراً في هذه القصائد ، وكان يوظفه مرة بطريقة المنولوج، واخرى بطريقة المشاهد التي التقطتها عين الشاعر الثاقبة، مع الاشارة الى ان الغالب الاعم من شعر ياسين طه حافظ زاخر بالسرد الذي يحتاج الى دراسة معمقة.ولأن القصائد تعتمد تجارب يكون السرد حاجة ضرورية لها للكشف سواء كان بحوار داخلي او بخطاب لتحقيق الانتقالات السردية وهي ثمة انتقالات متسقة مع موضوعة القصائد.ويبدو مما قرأناه للشاعر ياسين طه حافظ انه يتألق في موضوعتين (الحب والرثاء) وهي مزية حاضرة في شعره .وهكذا يلخص الشاعر ياسين طه حافظ في هذا الديوان الانيق حياته بما فيها من مواجع ومخاضات وافكار في الحياة والمعرفة والهم الانساني ، ولكن لا ارى انها هكذا ، فحياته زاخرة بالكثير من التجارب الثرة، عرفناه عبر نتاجاته الابداعية في الشعر والترجمة والمقالات والافكار التي بثها في اصدارته وكتاباته الصحفية .
هل أنها فعلاً حياته ؟
نشر في: 22 يوليو, 2012: 06:21 م