لينا مظلوم بلغت حالة التحفّز"الفكري" أقصى درجاتها..إذ ارتدت الميادين الثقافية- بشقيها الأدبي و الفني- و الإعلامية, دروع التحفز والتأهب تخوفا من سيطرة التيارات الإسلامية المختلفة على مقاليد السلطات و الحكم.
الأفعال الثقافية في مجابهة هذا "الربيع الإسلامي" ظهرت في شكل منظمات تشكلت للدفاع عن حرية الرأي و التعبير.. أبرزها "جبهة الإبداع المصري"التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي لمحاولات القمع الثقافي و الفني,أو اللجوء إلى القضاء لملاحقة المبدعين,و الفتاوى "الشاذة"التي ازدادت حدة صوتها بعد الثورة المصرية..أيضا تشكلت " اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق و حريات الفكر و الإبداع" بهدف الدفاع عن حرية التعبير الإبداعي.التطمينات الصادرة عن مجموعة كُتّاب و إعلاميين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين- واقعيا لا ظاهريا- و هم معروفون في الوسط الإعلامي..لم تُبدد المخاوف و الشكوك , خصوصا وأن هذه المجموعة تعرضت بالهجوم البذيء على كل المبدعين الداعين إلى إطلاق حرية التعبير الذين وضعتهم الجماعة على قوائمها السوداء التي يأتي على رأسها الفنان عادل إمام والكاتب وحيد حامد و المخرج شريف عرفة...و كل من تطرق في إبداعه لحقيقة هذه الجماعة.التاريخ و الواقع يُثبتان أن مخاوف الوسط الثقافي و الإبداعي في مصر لها أساس منطقي و ليست مجرد حالة"بارانويا" أو هاجس مرضي ضد التيار الإسلامي.. رغم ما عُرف عن تأسيس حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان- و شقيقه عبد الرحمن فرقة مسرحية عام 1934 ضمت نجوماً كباراً مثل محمد المليجي,جورج أبيض,عباس فارس,عزيزة أمير,فاطمة رشدي, انضم لها لاحقا عبد المنعم مدبولي,سعد أردش و الأخوان عبدالله و حمدي غيث.. و قد قدمت الفرقة عدة مسرحيات.. إلاّ أن هذا لم يمنع فناناً قديراً مثل حسين صدقي أن يُوصي بحرق أفلامه لشعوره بالندم على تمثيلها أو عمله بالفن أصلا! عبر تاريخ مصر المعاصر ..تجاهُل الأخوان للثقافة و الفنون الذي غالبا ما يتصاعد إلى درجة التكفير ,تُرسِّخ نظرتهم لها التي تدور في نفس الفلك البراجماتي الذي يتعاملون به مع المؤسسات السياسية و القانونية.. و هو"أخونة" هذه المجالات الإبداعية وتقييدها داخل إطار الرسائل التي تريد بثها للشارع فقط.. فالرسالة الثقافية و الإعلامية التي تخدم مصالحها حلال شرعا..بينما الفكر الذي يُفنّد تضليلهم للرأي العام مكان صاحبه جهنم و بئس المصير!!, لذا تأتي إجابات رموز الجماعة تجاه موقفهم من حرية الإبداع مائعة , لا تقف على أرض صلبة ومحددة و لا تعكس موقفا حاسما أو تقدِّم أدلة ملموسة تبُث الطمأنينة في نفوس المبدعين.المثال الصارخ لانعكاس حالة التناقُض التي طرأت على المناخ الثقافي.. أن الوسط الذي ظل-منذ أوج توهجه خلال فترة الستينات- يتمسك بموقف ثابت, موحّد لم يتغير ,و مبادئ لم تتجزأ تجاه حرية التعبير.. و هو ما ينسجم مع مجالات الإبداع المختلفة.. بدأت تظهر على سطحه مواقف تُثير الدهشة من أدباء و إعلاميين كانوا النبرة الأعلى صوتا في الدفاع عن التوجه الليبرالي –بل إن نتاجهم الأدبي و حضورهم الإعلامي حقق شهرته عربيا و عالميا بسبب كسرها كل "التابوه" أو المحرمات التي قد تصطدم بجرأتها المتلقي العربي.. في لمح البصر, ارتدت هذه الأسماء ثوب المدافع الأول عن التيارات الإسلامية .. و بدأت التسبيح بحمدها و التكالب على زيارة مقراتها .. حتى أصبحت جماعة الإخوان- بقدرة قادر- هي المُلهم و صانع الثورة المصرية!!. في دائرة التخبط و الصوت العالي, يتوارى العقل و المنطق عن تبرير هذا التحول إلى النقيض, و الذي خلق حالة ارتباط- لا تخلو ظروف تكوينها من الريبة- بين حرية المبدع التي لا تخضع إلاّ لشروط الإبداع .. و بين فكر إمّا يُخضع الإبداع لشروط السماء ..أو يكفِّره!لعل الهاجس الأكبر الذي يشغل مبدعي و مثقفي مصر المعارضين "لأخونة" الفكر المصري.. هو انتقال أسلوب الانتقام الذي انتهجته مؤخرا الجماعة ضد معارضيها في مجالات السياسة و القضاء من التعدي عليهم بالضرب الوحشي والإهانة أمام أعين الأمن و كاميرات القنوات الفضائية... ليُصبح أسلوباً للتنكيل المادي بهم بعد مرحلة التنكيل المعنوي التي مورست عليهم. كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة
الفـــــكر المصــــريّ في مــــواجهة "التــــــنقُب"
نشر في: 22 يوليو, 2012: 08:29 م