TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :فياجرا الفقراء

سلاما ياعراق :فياجرا الفقراء

نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:46 م

 هاشم العقابي عندما كتبت قبل أيام عن "معارك الركي" في ناحية العظيم وما أثارته عندي من ذكريات قديمة، استدرجتني الذاكرة للبحث في عالم "الركي" ودنياه. قصص وحكايات وأحاديث وطرائف كثيرة ما كان المجال يتسع لذكرها في العمود السابق، فاستهوتني فكرة أن أمر على بعضها اليوم.
يعرف اغلب العراقيين الذين عاشوا في الدول العربية أن العرب يسمون "الركي" بطيخا، فصرنا حين نشتريه منهم نسميه "البطيخ الأحمر". وبالمناسبة إن اسم "الركي" هو من اختراع البغداديين بحسب الباحث عبود الشالجي. فقد ذكر في موسوعته "الكنايات العامية البغدادية"  أنهم يسمونه الرقّي نسبة إلى الرقّة، وهي كل لسان في شاطئ النهر، يغمره الماء ثم ينحسر عنه. وتكون الرقّة هذه من أحسن الأماكن لإنتاج البطيخ، فوصفوه بالبطيخ الرقّي، مثلما يقولون: التين الوزيري والعنب الرازقي ثم حذف الاسم للتخفيف وبقيت الصفة فسمي: الرقّي. ويسهب الشالجي في سرد حكايات وأحداث ممتعة حول "الركي" وطريقة بيعه وكيف انه كان في أيام مواسمه يباع بالعراق بأكوام وليس بالميزان وبأسعار زهيدة جدا.  ومن بين اغرب ما استوقفني في أحاديثه انه في العام 1931 كان حاصل "الركي" ببغداد، وما جاورها من المزارع، من الكثرة بحيث أن حمولة اللوري الواحد منه كانت تباع بكاملها بثلاثة أرباع الدينار! ولكم أترك أمر المقارنة بين خير الأمس وبؤس اليوم.ومن بين ما اذكره أنا هو أن وجبات "الركي" كانت محضر خير في جلسات العراقيين المنفيين قبل السقوط. كان الأخوة الإسلاميون، قبل أن يصعدوا لكرسي السلطة طبعا، يدعوننا نحن "العلمانيين" إلى جلساتهم للتداول في أمور السياسة والأدب ومجمل القضايا الاجتماعية وحتى الدينية أيضا. لم يكفّرنا فيهم احد ولم نشعر نحن أيضا بأي حواجز تفصلنا عنهم. كانت جلسات "السمر" تلك يندر أن تخلو من الصواني العامرة بأفضل أنواع "الركي". وللأمانة إن الإسلاميين العراقيين يجيدون اصطياد "الركية" الحمراء والحلوة. بينما تجد اغلبنا حظه في اختيار "الركي" لا يرقى إلى مستوى حظوظهم أبدا.أذكر انه في واحدة من تلك الجلسات، عادة يلفظها إخواننا بفتح الجيم واللام والسين، إن شيخا معمما طيبا حثنا على الإكثار من أكل "الركي" وكان يقدمه لنا بيده. ولكي يشجعنا على تناوله قال: أكثروا من أكله فانه " فياجرا المؤمنين". ولأننا قد لانحسب على المؤمنين، كما تعلمون، انبرى احد الملتحين، وهو أيضا طيب مثل الشيخ، ليتدارك الأمر فصحح القول إلى انه: "فياجرا الفقراء" وليس المؤمنين فقط. رد عليه الشيخ برصانة ونبرة واثقة: "كلنا فقراء لله".وحين شعر الشيخ الجليل بأن بعضنا، وان لم يفصح بالقول، تمنى عليه أن يأتينا  بالدليل، استشهد بحديث للنبي الكريم يقول: "عليكم بالبطيخ فإن فيه عشر خصال: هو طعام، وشراب، وأشنان، وريحان، ويغسل المثانة، ويغسل البطن، ويكثر ماء الظهر، ويزيد في الجماع، ويقطع البرودة، وينقي البشرة". سألته: وهل من اجل هذا تكثرون من أكل "الركي" يا شيخ؟ رد علي بأدب جم: "ليس هذا، حسب، إنما أكل "الركي" عبادة وفيه اجر عظيم. كيف؟ أجابني أن الرسول صلى اله عليه وآله قال أيضا: "عض البطيخة ولا تقطعها قطعا، فإنها فاكهة مباركة طيبة، مطهرة الفم، مقدسة القلب، تبيض الأسنان، وترضي الرحمن، ريحها من العنبر، وماؤها من الكوثر، ولحمها من الفردوس، ولذتها من الجنة، وأكلها من العبادة".ناشدته: ناولني إذن  تلك "الركية" يا شيخ لأعضها عضا عظيما وجزاك الله، عني وعن أصحابي، ألف خير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram