اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > توهج الذاكرة

توهج الذاكرة

نشر في: 26 يوليو, 2012: 03:51 م

د.فاضل سوداني "أوفيليا الجميلة! أيتها الحورية، تذكري في صلواتك خطاياي كلها"  هكذا يذكرها شكسبير على لسان هاملت. هل يمكن أن تشفع هذه الطفلة ، الحورية لخطايا البشر؟ إذ لم يصور شاعر آخر في تاريخ الأدب والفن طفلة تراجيدية بريئة مثلما رسم أوفيليا في مسرحيته الشكسبيرية. فإذا كان الصراع على السلطة يؤدي إلى قتل الملك من قبل أخيه بهدف الجلوس على العرش ومن ثم الزواج  بالملكة ومحاولة هاملت الابن الشرعي للملك المقتول الثأر لأبيه من العم القاتل مما دفعه إلى أن يترك كل شيء  بما فيه حبيبته اوفيليا التي أحبها كما يقول هو (أربعون ألف أخٍ بمجموع حبهم لن يساووا مقدار حبي أنا).
بالتأكيد مثل هكذا ملاك شكسبيري لا يمكن أن يفهم العالم، وطفلة مثل أوفيليا البريئة  "وخاصة بعد قتل والدها بولونيوس خطأ على يد حبيبها هاملت" لا تتحمل كل هذا ، فتجْن، وصدى جنونها مطارق ستلاحقنا حتى اللحظة. ولكن هل يحتم على أوفيليا البريئة أن تموت من أجل خطايا الآخرين؟ أن تغرق بالماء الذي هو مطهّر للإنسان وقاتله في آن واحد. فمن اجل تطهير العالم لا تعرف هي سوى الغناء وقطف الزهور ذات العطر الطيب. وها هي تنحني فوق غصن صفصافة لتقطف النرجس، ينكسر بها، فيبكيها النهر والسمك البنفسجي لكن الماء يحتضنها كرحم دافئ. غريبة أوفيليا تطفو فوق الماء وثوبها المنتفخ يسندها، فتمسك بزهور الربيع التي جمعتها وهي  تغني أغنيتها الأخيرة وتعايشت لحظة كمن كان أبدي مع مخلوقات الماء، إنها ابنته وحوريته، نعم  هكذا يندبها أخوها قبل الدفن (آه ليس فيك إلا كثير من الماء، يا اوفيليا البائسة! كذلك أمنع نفسي من البكاء. لكن هكذا خُلقنا) لا يريد أن يبكيها لان الدموع لا بد أن تتوقف وعندها سينتهي نصفه الآخر "أخته". تعوم أوفيليا البيضاء كزنبقة كبيرة تنظر النجوم، وهي التي تود أن تكون نجمة في سماء نائية، لكن جسدها يمتلئ بالماء فتشده أعماق النهر وهي تتوه مع أغنيتها الشجية، فروح  أوفيليا تفضل الماء على التراب. وبالرغم من الضجيج في سجن الدنمارك المظلم فهي لم تفعل شيئا سوى هذيانات غنائية: (حبيبك كيف لي تمييزه بين الرجال الوافدين/ سافر الموت به، يا طفلتي/ ونما العشب على أجفانه. / وتزيا النعش بالورد شذى وسرى الموكب في أحزانه/ وبدا القبر فمدت شوقها/ادمع حرى إلى جثمانه/ إننا يا مولاي نعرف ما نحن ، /ولكننا لا  نعرف ما نؤول إليه /كان الله على مائدتك. سأبكر في الصباح لكي تراني /أول من ترى في الحي من عذارى / فتحبني دون كل الحسان /فادخلها عذراء ولكن /لم تبارح بيته بكرا في الفراق/ سافِر الوجه على نعش حملوه / يا ويلنا / وعلى القبر غزير دمع أمطروه ./وداعا يا حمامتي / غنوا معي /. وددت لو أعطيتك بنفسجا ، غير انه ذبل كله ساعة موت أبي. /أولن يعود لنا ؟/كيف يعود وقد قضى؟/ إلى فراش موتك فاذهبي ./ فهو لن يعود لنا / في ذمة الغيب غدا /نبكيه دوما عبثا/ هيا يا عربتي./ ليلة سعيدة يا سيداتي / ليلة سعيدة يا سيداتي اللطيفات / ليلة سعيدة / استودعكم الله.)  قال آرثر رامبو (منذ ألف عام وأوفيليا الحزينة ،تخطر شبحاً أبيض .منذ ألف عام وجنونها العذب ،يهمس بأغنيتها لنسيم المساء ،إنك السماء والحب والحرية، يا له من حلم أيتها المجنونة). .  وفي غضون قرون ستظهر أوفيليا للحالمين والشعراء، عائمة يحملها الماء. سيبكونها شعرا وقصائد واستعارات نثر ورسوم ملونة . آه أوفيليا الجميلة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram