علي حسين أكاد ألمح ابتسامة رضا وارتياح على وجه السيد المالكي ومقربيه وهم يرون كيف استبدلت ملفات مهمة مثل الإصلاح السياسي والخدمات والفساد، بصولة جديدة للنائب العراقي والمواطن الدنماركي علي العلاق يطالب فيها بإصدار قانون لمنع الخمور، ذلك أن اثارة مثل هذه القضايا الثانوية في هذا الوقت بالذات، فرصة لتواري واختفاء ملفات شديدة الحساسية انفتحت فجأة على غير رغبة الحكومة وفي توقيت أربكها وأصابها بانزعاج شديد، من ذلك مثلا حديث الخروقات الامنية الذي صار بندا ثابتا في أحاديث العراقيين منذ أن المح رئيس الوزراء الى ان العراق يعيش ازهى عصور الاستقرار، ومن ذلك أيضا حالة التعتيم والتكتيم المتعمدة على وقائع الفساد التي استشرت بشكل غير مسبوق.
أصبحنا تائهين ونتساءل؛ أيهما أخطر على المواطن، إقرار قانون لمنع الخمور ام وضع قوانين تمنع سرقة المال العام، قوانين للضمان الاجتماعي والصحي والتعليمي؟ أم قوانين للحشمة والفضيلة ، قوانين تعالج البطالة ونقص الخدمات وغياب الأمن، أم قوانين لفصل التلاميذ في المدارس الابتدائية. نسمع خطبا لبرلمانيين وكأننا نستمع لخطب "القائد الملهم" مارشات عسكرية تهيئ الناس لحرب ضد الرذيلة وانعدام الأخلاق، وكأن بغداد تحولت إلى ملهى وماخور ليلي كبير، فقررت العناية الإلهية أن ترسل لنا المواطن الدنماركي علي العلاق وفضيلة مفتي ديار هولندا صلاح عبد الرزاق ليملأوا الأرض عدلا وفضيلة بعد أن ملأها الخطاة من اهالي بغداد جوراً وبهتانا، وكما واجهنا بكل أشكال الإدانة والتقزز كل الذين يحاولون التستر على ملفات الفساد، فإن الواجب يقتضى التعبير عن الامتعاض والاستنكار لمسلك البعض من النواب الذين يريدون اختزال مشاكل العراقيين في قوانين بغاية السطحية والسذاجة، كأن صبر العراقيين على تسع سنوات عجاف من الطائفية والمحسوبية والانتهازية السياسية وما رافقها من مآسٍ يمكن ان تختصر في مثل هذه القوانين المضحكة. ولعل ما يثير الدهشة أن هؤلاء الذين يخوضون معركة الخمور ببسالة، لم يحزنهم أو يثير غضبهم ــ على سبيل المثال، ما يحصل كل يوم من خروقات امنية ونهب لثروات البلد ومن جرائم، كما أننا لم نر هذه الروح القتالية الوثابة من المطالبين بتحريم الخمور في الوقوف بوجه الخراب الذي عمّ مدن العراق كافة، وعن المليارات التي أهدرت في مشاريع وهمية ذهبت حصيلتها إلى جيوب الأقارب والأحباب. وإذا كان هؤلاء النواب الأشاوس قد وجدوا أن الخمور هي قضية العراق المحورية في هذه اللحظة، فإن أحدا لا يصادر حقهم في ترتيب أولوياتهم كما يشاءون، مع الوضع في الاعتبار أنهم لا يمثلون سوى انفسهم والمقربين منهم، لان اي واحد منهم لم يحصل على اكثر من خمسمئة صوت جعلته يخطف كرسي البرلمان او مقعد المحافظ. هكذا وجنا سياسيين ومسؤولين يتركون تعهداتهم أمام الشعب ليمارسوا لعبة خلط الحق بالباطل، التي تدفع الناس للتساؤل: هل هناك قوانين تراعي مصالح آلاف اليتامى والأرامل؟ وهل فرغنا من هجمات القاعدة وصولاتها؟ وهل حقا نعيش عصر التغيير؟، وتحققت أهداف العراقيين بالديمقراطية والعيش في ظل نظام يؤمن عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية؟ وهل تشكلت مؤسسات دولة محترمة تضمن حقوق جميع العراقيين؟ أو تجاوزنا كل المصاعب ليخصص البرلمان جزءا من وقته يفتح فيه البعض مزاد الهجوم على كل من يريد ان تفتح النوادي الاجتماعية وان تخلع بغداد ومدن العراق لباس الحزن، هل نعدم من يريد أن يشرب الخمر ونقوم بوأد من ينادي بالحريات؟ أم هل نخصص للمسيحيين والإيزيديين أماكن بعيدة عن أعين الإخوة والأخوات، أعضاء البرلمان المتعدد الجنسيات. إن إقرار قوانين تنظم الإدارة المحلية في المحافظات حق، ومراقبة المخالفات والانتهاكات التي يرتكبها البعض ممن يمارسون مهنة بيع الخمور واجب، والكل له بالمرصاد إن اقترب من حريات الناس وخصوصياتهم بسوء، لكن أن يجري ابتذال البرلمان على هذا النحو الفج، فهذا مؤشر خطر لأن جحا ونكاته الشهيرة أصبحا مصدر إلهام لمعظم نوابنا الأشاوس. عندما يصبح كل شيء سيئا وفاسدا وعاجزا من أول الأحزاب السياسية ونهاية بزعماء الطوائف، فإن الناس سوف تكفر بالديمقراطية التي أوجدت سياسيين على شاكلة على العلاق وصلاح عبد الرزاق يستخدمون الدين الحنيف لافتة يغطون بها عجز البرلمان عن الحرب الأساسية ضد الاستبداد والفساد. وقديما قال الجواهري الكبير: مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا
العمود الثامن: قانون المواطن الدنماركي علي العلاق
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:19 م