أحمد عبد الحسين في جامعة بابل لافتة كبيرة مكتوب عليها "حجاب يصون أو تنهشكِ العيون". وفيها صورة طالبة محجبة محاطة بهالة نورانية وتحتها صورة شوكولاتا مغلّفة، وصورة أخرى لطالبتين "سافرتين" تضحكان وليس عندهما شوكولاتا!
إذا تجاوزنا هذا التشبيه السخيف، تشبيه الفتاة بالشوكولاتا المعدّة للأكل، وما دامت لم تزل فتاة وطالبة فهي شوكولاتا مغلفة ومصانة وبـ"الباكيت"، بانتظار سعيد الحظ النهم الذي يسيل لعابه للشوكولاتا ذلك الذي سيأتي ويفض غلاف حبة الشوكولاتا ليأكلها. وهو تشبيه أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنه مليء بالفظاظة والبداوة والشهوانية السوقية التي عادة ما تشبّه المرأة بالأكل والرجل بالآكل.إذا تجاوزنا ذلك باعتباره تعبيراً عن ثقافة نطاق اجتماعيّ أميّ لم يهذب عواطفه حتى الآن، فكيف يمكن تجاوز الخرق الكبير للحريّة الشخصية في هذا الملصق الغبيّ؟من الناحية الدستورية، العراق دولة مدنية، هذا ما يشاع حتى الآن على الأقلّ، فلماذا تسمح الأجهزة الحكومية بملصقات كهذه لا يمكن أن ترفع إلا في ظل نظام حكم إسلاميّ متشدّد.ما نحن؟ ما شكل دولتنا؟ ولماذا يترك لمغفلين وباعة تقوى زائفة أن يتحكموا بمؤسساتنا على هذا النحو، وأن يضغطوا على شبابنا ويملأوا قلوبهم رعباً بسطوتهم التي استمدوها من سكوت الحكومة عنهم، وهو سكوت منافق، يمالئ هؤلاء الدهماء الذين لفرط بدويتهم لا يزالون ينظرون للمرأة بوصفها "جكليتة" بنوعين: مغلفة ومتأكد من صيانتها لأنه سيفتحها بيديه، وأخرى غير مغلفة "أي سافرة" تنهشها العيون.وما هذه الرؤية المتوحشة؟ هل نحن في غابةٍ؟ ولماذا عيون الرجال حيواناتٌ كواسر مستعدة لأن تنهش كلّ من لا تضع قماشة على رأسها؟ لمَ يريدون ملء قلوب الفتيات بالرعب لمجرد أنهن اخترن زياً يسمح به العرف والدستور والقانون؟ كثير من الفقهاء لا يرون الحجاب واجباً، وكثير منهم اختلف على نوعه وشكله، لكن لنفترض أن هناك نساء غير ملتزمات دينياً ولا يردن أن يتحجبن فهل مصيرهنّ سيكون النهشُ أو التخويف به؟ هل غير الملتزم دينياً منبوذ ومصيره الرعب في هذا العراق الذي لا يعرف حتى الآن نوع دولته وشكلها؟نعرف أن الإسلاميين يحكموننا اليوم، لكنهم ـ بحكم وجودهم في السلطة ـ لا يجب أن يتصرفوا وفقاً لإسلاميتهم، إلا إذا أرادوا أن يكونوا حكاماً للإسلاميين فقط، أو للملتزمين، وإلا فعليهم تغيير الدستور وجعل العراق دولة إسلامية كإيران مثلاً.وبالمناسبة فإن إيران "جارتنا الكبرى التي لها تأثير كبير على ساستنا" انتهتْ من هذا الموشّح منذ زمن بعيد، ولم تعد تجبر فتياتها بالرعب والإرهاب على ارتداء الحجاب. ومن رأى حجاب الفتيات الإيرانيات وتسامح الدولة معهنّ، سيخرج بنتيجة مفادها أن إيران ، لا العراق، هي الدولة المدنية حقاً، وأن العراق مستمر على يد ساسته الجدد في الرجوع القهقرى إلى عهد مغرق في القدم، عهد الإماء والجواري، أيام كانت المرأة أكلة يسيل لها لعاب رجل ملتحٍ قبيح.
قرطاس :شوكولاتا
نشر في: 26 يوليو, 2012: 04:28 م