اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ظواهر مرفوضة

ظواهر مرفوضة

نشر في: 28 يوليو, 2012: 06:42 م

علي عبيد تنمو في حركتنا الثقافية ظواهر غريبة لا تتسق مع الروح المرهفة والحساسة للمثقف والثقافة في آن، منها ظاهرة التجمعات الصغيرة، أو (الشُلل) التي تنطوي على بعضها لتشكل مجموعة لها مصالحها التي تدافع عنها، وتعمل هذه التكتلات من اجل تحصيل المنافع المختلفة لأعضائها،
 أو الذين ينتمون لها، بطبيعة الحال هناك مجموعات أخرى مختلفة غالبا ما يكون همها إبداعيا بحتا، وهذه تغني الثقافة ولا تقف بالضد من تطورها، وهي ليست جديدة على الحركة الثقافية العراقية، إذ غالبا ما كانت تظهر بيانات شعرية وسردية وحتى نقدية أو فنية تعلنها مجموعة من الأدباء والكتاب والمثقفين أو الفنانين، ترمي التأسيس لحركة أو اتجاه أدبي أو فني جديد، وهذا يرفد الثقافة ويزيد من طابعها الحيوي. ولكن كلامنا هنا يتعلق بانعكاسات المحاصصة السياسية على الثقافة، وظهور المجموعات الثقافية التي تتأثر بالطابع السياسي وصراعات الكتل والأحزاب والشخصيات والمؤسسات التابعة لها، فتظهر الساحة الثقافية وكأنها فضاء للصراع الثقافي وإفرازات السياسة، بدلا من إعطاء النموذج الأمثل للآخرين في العلاقات الإنسانية والإبداعية المتنوعة.إن الثقافة هي الصورة النقية المصغَّرة للمجتمع، والمثقف هو الخلية الأصغر والأنقى التي تتكون منها الثقافة وتوابعها، وفي حال أصيب المثقف بداء ثقافي سلوكي أو فكري ما، فإن الأمر سينعكس على الثقافة حتما، وحين تتضخم حالة الداء لتشمل مجموعة مثقفين، ثم مجاميع متعددة تلهث كلها صوب تحقيق منافع (مادية في الغالب)، فإن صورة الثقافة وجوهرها أيضا يبدوان غاية في التشوّه، وبدلا من أن يقدم المثقف نفسه كنموذج داعم للمجتمع، وبدلا من أن تقدم الثقافة ما يُنتظّر منها من دور يهدف لارتقاء المجتمع، يحدث العكس تماما، فتجد المثقف عضوا (مافيوي) ينتمي إلى مجموعة معينة يلتقي أعضاؤها على أهداف غير معلنة، لكنها في الغالب تبغي المنفعة المادية، وهكذا الأمر بالنسبة للشلل أو المجاميع الثقافية الأخرى، التي لم يكن هدفها إبداعيا قط، إنما هدف ينحو لتحصيل المنافع بشتى الطرق والوسائل، وهذا ما يقود إلى حالات من الصراع مختلفة، وبهذا يتحول المثقف من عقل متنور يضيء درب الآخرين بوعيه وثقافته وسلوكه المتحضّر، إلى شخص عادي لايحمل من الوعي ما يكفي لكي يكون النموذج الأفضل للناس، وإذا تكررت نسخة هذا النوع من المثقفين، وتكاثرت مجموعات المثقفين المصلحية، فإن الثقافة برمتها تتحول إلى ساحة للتنافس المادي غير الشريف، وبدلا من أن تعطي النموذج الأصلح للطبقات الأخرى في المجتمع، كالطبقة السياسية مثلا، تصبح بؤرة حاضنة للأمراض التي يصدرها السياسيون لها.وهنا تنعكس الحالة تماما، وهو أمر يمكن أن نلاحظه الآن في ثقافتنا، فهناك من يتحدث عن تكتلات متضاربة للمثقفين، وبعضهم من يرى صورة واضحة للمحاصصة السياسية تنمو بين المثقفين أنفسهم، الأمر الذي أسهم في ظهور الشللية، كمظهر من مظاهر ثقافتنا الراهنة، وقد يُطرح تساؤل مفاده وما الضير في أن ينتمي المثقف إلى هذا الحزب أو ذاك؟ وهو أمر مقبول تماما، بل لابد للمثقف أن يحدد مسارا فكريا سياسيا يؤمن به ويعمل على نشره وترسيخه، لكن كل هذا يجب أن يتم في إطار بعيد عن الطابع الشللي للثقافة، وحينما ينتمي المثقفون إلى أحزاب مختلفة هذا لا يعني انتقال تجاذبات الأحزاب إلى الثقافة نفسها، وهو ما يحدث الآن في ثقافتنا، هذا الواقع البائن لا احد يستطيع أن يلغي حضوره، أو ينفي حدوثه، وقد يبدو إلغاؤه غير ممكن، ولكن الممكن هو استمرار التنافس في إطار ثقافي نزيه وشفاف، يحسّن الصورة للسياسيين ولا يصبح انعكاسا لصراعاتهم، أو صورة مستنسخة عنهم.بهذا تكون الثقافة والمثقف متبوعا وليس تابعا من لدن الآخرين، السياسيين أو غيرهم، هذا الأمر يتطلب وعيا جماعيا للمثقفين بغض النظر عن طبيعة انتمائهم السياسي، لكي تبقى الثقافة العراقية صمام أمان يسهم بدرء مخاطر الفتن ومظاهر اللااستقرار التي قد تظهر هنا أو هناك في هذه المرحلة المهمة والحساسة من تاريخ العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram