TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الحدث:القدود الحلبية تنزف دماً

في الحدث:القدود الحلبية تنزف دماً

نشر في: 29 يوليو, 2012: 08:38 م

 حازم مبيضين حين كانت حلب الشهباء تعيش أوضاعاً طبيعيةً, كانت أماسيها الرمضانية تعبق بأصوات المنشدين على أنغام القدود, التي اكتسبت صفتها من المدينة الموغلة في الفروسية والرجولة والفن والشعر, وكانت حدائقها الغناء تحتشد بالساهرين, خصوصاً في ليالي الصيف الطويلة, التي تمتد بهم إلى مواعيد السحور, كانت معاملها تغزل القطن الذي لايضاهيه في العالم قطن آخر, وكانت مصانعها تتفنن في إنتاج أثاث, تفخر العرائس بجودته ومتانته, حتى يصبحن جدات, كانت مقصد الباحثين عن المال والجمال والمتعة,
وكانت تعطي لكل طالب ما يريد دون منة أو استعلاء, كانت تحتفي بالجمال, وتحفظ على جدرانها التاريخية, أبياتاً من شعر الحمداني والمتنبي, كانت تضج بكل ما هو خير وجميل.حلب هذه الأيام تعيش أوضاعاً مأساوية واستثنائية, نأمل أن لاتطول, أماسي رمضانها مثقلة بأصوات القذائف, وحدائقها موحشة مقفرة, لاتمر بها نسائم الصيف, ومعاملها مكبلة بالحديد والنار, تخزن قطنها لقادم الأيام التي قد يطول انتظارها, وخشب مصانع أثاثها, بات نهباً لنيران الحريق الهائل المتنقل في طرقاتها وحاراتها, ويدها باتت مغلولةً إلى عنقها, فلم تعد قادرةً على العطاء المعتاد, ومحا الرصاص المجنون عن جدرانها شعر الحماسة, وتركها ملطخةً بسواد الحقد, ولم يعد ممكناً فيها سماع القدود الحلبية, التي غطى عليها أزيز الطائرات, وهي تزرع الرعب في طرقاتها وبيوتها وحدائقها ومشافيها,واكتست الشهباء بلون أحمر جديد, مغاير للون حجر أبنيتها, الذي تميزت به عن مدن الدنيا قديمها وحديثها, وغار فيها أريج الياسمين,  تاركاً الفضاء الذي كان رحباً فيها, لروائح الدم والبارود.تأخرت حلب عن اللحاق بركب صناع تاريخ سوريا الجديد, بفعل سطوة الخوف والمال, لكنها تستدرك اليوم مافاتها, فتدفع الثمن مضاعفاً من دم أبنائها, وهي حين استيقظت ولو متأخرةً, فإنما لتخط كلمات بداية النهاية لما تعيشه سوريا من مآس. والشهباء التي ظلت نقطة الانطلاق لكل تغيير في بلاد الشام, تستعيد اليوم دورها وألقها, رغم كل ما يرافق ذلك من آلام, مرت على كل المدن والقرى السورية قبل أن تصل إليها, لتتحول إلى أتون من نار التطهر, وهي تستعد لنشيد الحرية, الذي سيصدح في جنباتها مدوياً وعالياً, حتى يصل إلى عنان السماء, ولتغسل عن وجهها غبار معركة مشرفة, خاضتها بكل ما فيها من شجاعة ونبل وفروسية, مستعيدةً سيرة أبي فراس ونخوته وشهامته.قريباً أيتها المدينة الحلم, سنقف عند سفح جدران قلعتك, وسنغني مع صباح فخري حتى ينبلج الصبح, منتشين بانتصارك المعجون بالتضحيات والكبرياء, وسنمضي أماسينا في حديقة السبيل التي يزيد عمرها على عمر أي سوري, بعد أن تخطت حاجز المئة, وسيكون لخمرة الحب دورها في نشوتنا, بديلاً لزقوم الحقد الطائفي, وستتعانق في فضائك أصوات أجراس الكنائس, مع أذان المؤمنين بالمحبة والتسامح والعدل والمساواة, ويتضوع في بيوتك الفسيحة الرحبة عطر الياسمين, بديلاً عن رائحة الدم والبارود التي فرضت عليك, وتستعيدين دورك المشهود صانعةً للتاريخ, وسيكون للكواكبي دور متجدد في الوقوف ضد طبائع الاستبداد الذي رزحت تحت وطأته, وفي هذه المرة فقط ستبزغ الشمس من الشمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram