اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > مكاتب المفتش العام بين محاربة الفساد وحمايته!

مكاتب المفتش العام بين محاربة الفساد وحمايته!

نشر في: 30 يوليو, 2012: 08:37 م

سليمة قاسمتشكلت دائرة المفتش العام وفقاً لأمر سلطة الائتلاف رقم 57 لسنة 2003 لتكون الخط الدفاعي الأول في التصدي لظاهرة الفساد الإداري والمالي التي استشرت في الوزارات والدوائر كافة وساهمت في تعطيل عجلة التطور في البلد، بشكل خطر يهدد بنسف المنجزات اليسيرة التي تحققت بعد سقوط النظام. وهي  جزء من المنظومة الرقابية التي تضم إضافة إليها، هيئة النزاهة العامة، لجنة النزاهة في مجلس النواب وديوان الرقابة المالية التابع لرئاسة الوزراء.
ورغم حداثة تجربة مكاتب المفتشين العموميين، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر حجم التحديات التي واجهتها، ولعل أهمها تمثلت في نظام المحاصصة الذي تم بموجبه تعيين الوزراء وأغلب المسؤولين التنفيذيين في الدولة لتحقيق توافق سياسي، وهذا يعني أن أي خلاف  بين المفتش العام والوزير المختص، يعني خلافا مع الكتلة السياسية التي ينتمي إليها الوزير.  فضلا عن  المادة 136-ب- من الدستور التي تعطي الوزير أو مدير الدائرة الحق في غلق ملف التحقيق في وزارته، وضرورة أخذ موافقته عند إحالة التقارير التي يرفعها المفتش العام إلى الجهات القضائية أو الرقابية، وكذلك تعد قلة التشريعات التي تعزز عمل المفتشين العموميين وضعف استقلالية التشريعات النافذة من التحديات التي لا تقل خطورة عن سابقاتها. إلا أن مكاتب المفتشين العموميين اتسمت بضعف دورها في مكافحة الفساد، رغم أن العراق يعد من بين أكثر دول العالم فسادا حسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية. ولم ترصد تقارير معظم المفتشين العموميين وجود فساد في وزاراتهم -حسب رأي لجنة النزاهة النيابية - وتمت ملاحقة المفسدين من صغار الموظفين، وغض النظر عن المفسدين الكبار. فيما  تم الكشف عن الكثير من قضايا الفساد بواسطة جهات  إدارية  أخرى عجز المفتش العام عن كشفها هو وطاقم عمله الكبير بمرتباتهم وامتيازاتهم الضخمة. وقد كان دور البعض الآخر منهم هو محاربة العناصر النزيهة في دوائرهم نتيجة رضوخهم للفساد أو تعاطيهم معه. وبذا تحولت مكاتب المفتشين العموميين إلى وسيلة لابتزاز متورطين في قضايا فساد للحصول على مبالغ من المال وتلفيق قضايا مفبركة، حين يرفضون اقتسام الغنيمة معهم،وقد شهدت تلك المكاتب نهاية الكثير من الموظفين النزيهين حين قدموا ما يملكون من أدلة لكنهم وقعوا في الفخ ليخسروا حتى وظائفهم بسبب ذلك،  لتصبح هذه الدائرة جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل. حيث أضافت عبئاً آخر يثقل كاهل الدولة، في الوقت الذي كان الحفاظ على المال العام، واحدا من  أهم أسباب تشكيلها، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار في شباط الماضي بتجميد عمل المفتشين العموميين وإلغاء جميع أقسام التفتيش التابعة لمكاتبهم تمهيدا لإلغائها، بعد الكشف عن قضايا فساد كبيرة ثبت فيها تواطؤ المفتشين العموميين مع مسؤولين حكوميين. لكن لجنة النزاهة البرلمانية كان لها رأي آخر وقررت استمرار العمل في تلك المكاتب.   إن تفعيل دور المفتش العام يتم عن طريق فصله إداريا عن الوزير بهدف منحه مساحة كافية لمكافحة الفساد الاداري والمالي داخل المؤسسات الحكومية، وتعديل  المادة136-ب- من الدستور ليتسنى محاسبة المشتبه بهم من الموظفين دون تدخل الوزير،وتعيين مفتشين يتمتعون بكفاءة مهنية، وتحديد إطار زمني لتولي مناصبهم، كأن تكون لمدة أربع سنوات مثلا، هذا ما يتعلق بالمفتش العام، أما في ما يخص موظفي تلك المكاتب، فيجب الأخذ بنهجي الوقاية والردع في تحقيق توازن موضوعي واعتماد مبدأ الشفافية وتعزيز أنظمة الرقابة الداخلية في مكاتب المفتشين العموميين، إضافة إلى ضرورة توسيع قاعدة الإدراك وتحصين موظفي تلك المكاتب ضد الفساد عبر التثقيف الذاتي ونشر الوعي من خلال إقامة الدورات والندوات وورش العمل، لإعداد كوادر متخصصة للعمل وفق آليات ومعايير قانونية وضوابط منهجية من أجل الحفاظ على المال العام. صحيح أن مكاتب المفتشين العموميين هي الحلقة الأولى في سلسلة مكافحة الفساد، وأن إلغاءها سوف يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي وهو بالأساس فساد سياسي موروث من النظام السابق عززته ممارسات المحتل ورسخته المحاصصة السياسية- إلا أن بقاء تلك المكاتب بوضعها الحالي في حماية الفساد وشرعنته سوف يضاعف من حجم الفساد الذي يوازي خطره خطر الإرهاب،لا سيما وأن الكثير من التحقيقات كشفت عن وجود علاقة بين الإرهاب والفساد في عدة وزارات حيث كانت عشرات المليارات تتسرب من ملكية الدولة إلى أيدي الجماعات الإرهابية. وصحيح أيضا أن دائرة المفتش نجحت في استعادة 70 مليون دولار، إلا أنها أضاعت أضعافاً مضاعفة لهذا الرقم، بتغطيتها على مافيات الفساد وتواطئها معها.مكاتب المفتشين العموميين أمام امتحان صعب لتصحيح الانحرافات والخروقات الحاصلة التي شابت أداء عملها منذ تشكيلها و حتى هذه اللحظة، لتؤدي دورها الرقابي في حماية المال العام بدلا من حمايتها  المفسدين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram