TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية: ما أشبه اليوم بالبارحة.. مع الدكتاتوريات

الافتتاحية: ما أشبه اليوم بالبارحة.. مع الدكتاتوريات

نشر في: 31 يوليو, 2012: 09:42 م

فخري كريم

يتذكّر العراقيون الذين شاءت الأقدار لهم أن يعيشوا في ظل سلطة الدكتاتوريات المتعاقبة منذ ثورة ١٤ تموز وانفلات عقبان ١٤ رمضان (٨ شباط) المشؤوم،

حتى نهاية المستبد الأخير في تلك الحقبة، يوم ٩ نيسان عام ٢٠٠٣، ما كان يُرسم للبلاد من سيناريوهات، كلما شاءت القوى الشوفينية المغرقة في الجمع بين معاداة الحركة الديمقراطية والحركة القومية للشعب الكردي، بل ولكل المكونات المتآخية في إطار النسيج الوطني العراقي، أن تغرق البلاد في أتون حروبها الداخلية، وتصفية المكتسبات التي تحققت للعراقيين، أو شن حملات الإبادة والتصفيات الجسدية ضد خصومها الوطنيين، كوسيلة لتكريس سلطتها المطلقة وانتزاع الشرعية لنهجها وسياساتها المعادية للشعب. لقد تغيرت الأوضاع بعد إسقاط نظام صدام حسين، بفعل الاحتلال الأميركي وحلفائه، وليس بفضل من يتسلطون على مقدرات البلاد اليوم، رغم ادعاءاتهم عكس ذلك. لكن السيد نوري المالكي الذي استطاع كما يبدو، ولو إلى حين، أن يستدر الوعي العام لمن يدعي تمثيلهم، يعود الآن ليكرر تلك المشاهد، نفسها، في سيناريوهات الأنظمة المستبدة، وقد تمثلت بأجلى صورة فيما كان يفعله صدام حسين طوال حكمه، سوى أن المالكي، في غفلة من قادة التحالف الوطني أو رغماً عنهم وليّاً لإرادتهم، يتعكز في نهجه الاستفزازي على مكون كان جزءا من استهدافات سلفه ما قبل ٢٠٠٣، محاولا الإيحاء بأنه، إذ يتعرض للتآمر، فإنما لأنه يمثل إرادتهم ومصالحهم في احتلال موقع الصدارة في حكم البلاد، وليس لأنه أغرقها في الفساد وحال بنهجه وسلوكه السياسي دون تحقيق أي إنجاز يتطلع إليه الشعب، سواء على مستوى الخدمات أو إخراجه من سلسلة الأزمات التي يدفع إليها كل يوم، لعله بذلك يروّض كل من يتصدى له عن حق، ويخلو له الأمر في نهاية المطاف. كان صدام ومن قبله الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، ينفرد بالقوى الحية في البلاد، ويثير زوابع حول تآمراتٍ خارجية وتواطؤاتٍ داخلية، تستهدف "الحكم الوطني" و"القيادة الرشيدة" دون أن يستثني حتى قيادات حزبه وكوادره من الاتهام ليعيد خلط الأوراق، وترتيب تحالفات مناسبة "لمعركته الجديدة". لا فرق في أن يضم إلى تحالفه أعداء الأمس أو يغازل أطرافاً خارجية كان يرى فيها حتى الأمس القريب عدواً، لا يمكن تحت أي ظرف أن يتجاور معها سياسيا. وكان السيناريو الأمثل في كل الظروف، يتمثل في البدء بإثارة النزاع مع الثورة أو الحركة الكردية أو شن الحرب عليها، توطئة للانفراد بالقوى الديمقراطية لشلّ حركتها، وتصفية ما يستطيع من قواها وتنظيماتها، أو العكس أحياناً، باستهداف القوى الوطنية والديمقراطية أولاً، توطئة لشن الحرب ضد الشعب الكردي، وهذا ما فعله صدام أيضاً عشية شن الحرب على الجارة إيران واحتلال الكويت، وعنترياته الأخرى التي ما زلنا نعيش أجواءها ونتدثر ببيئتها اليوم بفضل "صولة الحاكم بأمره" المتوهّم بإمكان العودة بالعراق إلى زمن الحزب الواحد والقائد الضرورة الأوحد. والفرق بين الحالتين إن شيعة العراق ومرجعيتها في النجف الأشرف وقفت بصلابة في إدانة أي اعتداء على الشعب الكردي، وأفتت بتحريم التعرض له وأوصت العسكريين بعدم تنفيذ الأوامر، أما اليوم فان المالكي ورهطه، في ظل صمت مريب من قادة التحالف الوطني، يسعى لدقّ إسفين بينهم وبين الكرد بذات الأساليب التي كان يستخدمها البعث وقائده الأوحد وعتاة القومانيين الشوفينيين ومرجعياتهم ما وراء الحدود. وهو إذ يفعل ذلك مستخدماً كل إمكانات الدولة وأجهزتها العسكرية والإعلامية والمالية، يُقدم على اخطر خطوة يتجرأ بها احد في ظل ما سُمي بالعراق الجديد، والمتمثل في إقامة تحالف مدان مع كل أيتام البعث ومجرمي حروبه من العسكريين الذين نُبذوا وتواروا عن الأنظار طوال السنوات الماضية، أو انخرطوا في النشاطات الإرهابية والعمل التخريبي، سواء ظلوا داخل العراق، في الموصل وكركوك أم كانوا في ضيافة البعث السوري ومخابراته. والمالكي لا يكتفي بهذا التحالف المشين، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ليحيي بقايا الجحوش ممن ظلوا حتى اللحظة الأخيرة في خدمة صدام ومخططاته المعادية لشعبنا العراقي، ويعدهم الآن بكل ما يحتاجون إليه لبعث نشاطهم الإجرامي. ويستمر السيناريو البائس للمالكي والمحيطين به والمزمرين له، ليؤلب العرب على الكرد، كما كان يفعل يوما بتأليب أطراف شيعية على أخرى، و يدّعي انه يتصدى للبعث والإرهاب بمخاصمته للقائمة العراقية وأطرافها، فيما هو يقرب البعثيين إليه. إن مغامرة المالكي ورهاناته التي لا هدف لها في المحصلة النهائية سوى بسط سلطته المطلقة، ووضع البلاد على شفا مواجهات طاحنة لا أحد يمكن أن يتنبأ بعواقبها، سوى من تعلم دروس التاريخ وعمل على تدارك نتائجها الوخيمة، ليست مفاجئة بعد سلسلة الأزمات التي أنتجها خلال عمر حكومته، والنزعة الانفرادية والمتعالية التي طبعت سلوكه، والاستباحات التي انطوت عليها سياساته في مختلف الميادين، بل المفاجئ ما يبدو، وعسى ألا يكون غير سوء فهم، من صمت يكاد يتحول إذا ما استمر الى تواطؤٍ مريب من قادة التحالف الوطني والأوساط المحيطة به وجمهوره، التي يُشار الى انها مسكونة بما يضخه الجهاز الإعلامي للمالكي ودولة القانون وربما بعض المتنفذين في حزب الدعوة، ممن لم تعد لديهم الجرأة لمواجهة زعيمهم بما يدفع إليه العراق والعملية السياسية التي تتفكك يوما بعد آخر، وتتعزز معها مواقع أزلام وبقايا البعث والنظام السابق، في كل المفاصل الأمنية والعسكرية وزوايا الدولة الأخرى، ويتعرض بفعل ذلك امن المواطنين واستقرار البلاد إلى المزيد من الضحايا والاستباحات. قد يستطيع المالكي إمرار مغامراته، وقد يتمكن من بسط سلطته المطلقة، وقد يوفر لولده بيئة أفضل لوراثته، وقد يزداد غنى ويترهل بلباس السلطة بفعل دوامها وان هي لم تدم لأكثر الوحوش الكاسرة من المستبدين، لكنه لن يستطيع مهما فعل أن يوصل العراق إلى بر الأمان، ولن يفلت من العقاب على أي نهج مغامر تسول له نفسه ارتكابه وهو في سدة الحكم. وإذا أمكن للمالكي أن يُنسي العراقيين في الجنوب والوسط كما في كل أنحاء البلاد ما هم فيه من وضع مأساوي بسبب غياب الحقوق والخدمات وانتشار الأمراض والأوبئة والبطالة والمجاعة والفساد ونهب المال العام، بتصدير الأزمات وتسويقها في كل اتجاه لتضييع مظاهر وأسس الأزمة الحقيقية التي تعيشها البلاد، فانه سرعان ما سيصطدم بما اصطدم به كل من توهم بان السلطة "محميةٌ" لا تطالها يد المنون. رحم الله نوري السعيد الذي قال في لحظة غياب الوعي وحلاوة السلطة "دار السيد مأمونة"! ولم تكن كذلك كما تبيّن في 14 تموز 1958

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram