لينا مظلوم* استهل فيلم"الرسالة" عام 1977 مسلسل كسر "التابو" أو المُحرّمات الدينية عن طريق الفن..إذ كان أول الأعمال التي أثارت اعتراضات صدرت عن اكبر مرجعية إسلامية, الأزهر ,لعدة أسباب منها ظهور شخصيات مثل حمزة عم الرسول والصحابة...و مُنِع عرض الفيلم لسنوات في البلاد العربية رغم الانطباع الإيجابي الكبير الذي أحدثه عند عرضه في مختلف دول أوروبا.. و الغريب أن الظروف التي ارتبطت لاحقا بهذا الفيلم قد تتجاوز ما يُطلق عليه المُبالغات الفنية ..إذ قُتِل مصطفى العقاد منتج و مخرج الفيلم ضمن ضحايا عملية إرهابية -باسم الإسلام- حدثت في الأردن .
حين حاول المخرج يوسف شاهين عام 1994 الاقتراب من شخصية النبي يوسف..اصطدم بـ "صقور" الأزهر.. و تعرض سيناريو فيلم "المهاجر" للرفض بدعوى انه يسرد قصة النبي يوسف .. لكن شاهين لم يكن ليسمح لأي قوة أن تُجهض أحلامه.. أعاد صياغة السيناريو مع الاحتفاظ بالخيوط الدرامية الأساسية التي تجمع بين قصة النبي يوسف و"رام" بطل فيلم "المهاجر"..و أقام دعاوى قضائية انتهت بالحكم لصالح عرض الفيلم.الدراما الإيرانية نشطت بدورها خلال الأعوام الماضية في كسر "التابو"الديني عبر مجموعة مسلسلات تناولت حياة شخصيات دينية مثل النبي يوسف, النبي عيسى, السيدة مريم, أهل الكهف... لكن المعالجة الدرامية لهذه الأعمال نُفذّت بأسلوب سطحي باهت غلب عليه الطابع الخطابي والمباشرة الفجّة.. افتقدت هذه الأعمال كل عناصر تشويق و إبداع الدراما و حرفية كتابة السيناريو و مهارة الأداء التمثيلي.. رغم المهارة الإيرانية التي ظهرت في بعض عناصر الدراما التقنية مثل الأزياء.. الديكور..الماكياج.خلال شهر رمضان الماضي أعاد عرض مسلسل "الحسن و الحسين" من تأليف محمد اليساري ومحمد الحسيان، وإخراج عبد الباري أبو الخير القضية الفنية- الدينية إلى ساحة الجدل... التوجه الذي أعلن رفضه عرض هذا العمل الدرامي بنى دوافعه على أسس دينية مجردة بعيدا عن أي تقييم للمستوى الفني الدرامي ..بينما دعا التوجه المُرحب بعرض المسلسل إلى تقييمه على أسس مراعاة الدقة التاريخية و عناصر الدراما الفنية..في النهاية تمخضت الضجة الكبيرة عن مسلسل شابه أخطاء عديدة في كتابة السيناريو و صياغة الشخصيات المحورية لنجد مثلا أن خيال المؤلف صاغ شخصية الحسين اقرب ما تكون إلى نمط البطل التراجيدي الشكسبيري الذاهب إلى قدره المحتوم.. و فشل في الغوص داخل عمق التركيبة الملتوية لشخصية معاوية التي مزجت صفات الدهاء السياسي و الحُلم.. النتيجة أن الضجة المثارة حول كسر "التابو" لم تكن على قدر مستوى العمل .هذا العام جاء الدور على شخصية إسلامية ظلت داخل إطار المحرمات حتى ظهرت في مسلسل "عمر بن الخطاب".. الخطوة تُحسب إنجازاً للدراما , لما بذله أصحاب العمل من حرص على تحقيق كل عناصر النجاح بداية من دقة المراجعة التاريخية على يد نخبة من العلماء.. سيناريو وليد سيف, احد أمهر كتاب الدراما الذي قدم أكثر من عمل ناجح مثل "ملوك الطوائف","الزيرسالم","ربيع قرطبة".. وقد ظهر تميز الحوار و هو ينساب بتلقائية بعيدا عن المبالغات اللفظية و اللهجة الخطابية التي اقترنت بالدراما التاريخية و الدينية- و كأن شخوصها ينتمون إلى كواكب أخرى و ليسوا بشرا من نفس التركيبة الإنسانية التي ننتمي إليها- , قدم لنا سيف لأول مرة شخصيات دينية من لحم و دم بعيدا عن الشكل النمطي المبالغ الذي صدّره لنا معظم كتاب الدراما الدينية . المخرج حاتم علي صاحب مجموعة الأعمال المميزة مثل "صلاح الدين الأيوبي","صقر قريش","عصي الدمع","الملك فاروق"... أجاد توظيف و تحريك الممثلين بتلقائية كسرت الجمود الذي اقترن بأداء هذه النوعية من الأعمال .. كما جانبه الصواب في اختيار الوجه الجديد سامر إسماعيل لأداء شخصية عمر بن الخطاب ,فهو خامة يسهل تشكيلها .. مستوى الإبهار أيضا ميز مباني ديكور "الكعبة" و قريتي "مكة"و المدينة" و شوارعهما و منازلهما.. حيث تم التصوير في المغرب .الثنائي حاتم علي- وليد سيف يقدمان في كل عمل درسا جديدا لكتاب و مخرجي الدراما التاريخية .. إلا أنهما في مسلسل "عمر" اختارا اختراق "تابو" ديني ليس بهدف مجرد إحداث ضجة دعائية فارغة.. إنما لتقديم صورة مشرفة عن أعظم قيمة"عدل" عرفها التاريخ ..لعل الذكرى تنفع حكام أدمنوا المتاجرة بظلم شعوبهم.rn*كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة
الفن يكسر حاجز المُحرّمات
نشر في: 31 يوليو, 2012: 06:34 م