TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر:اعتراف بين يدي سيداتنا

عالم آخر:اعتراف بين يدي سيداتنا

نشر في: 31 يوليو, 2012: 09:24 م

 سرمد الطائي انني اسير ضمير موخوز وأنا اعود الى المنزل لاجده منظما ومرتبا على احسن ما يمكن، وهناك من يقدم لي طبقا شهيا ومائدة متنوعة الاستخدامات، كنوع من المكافأة على "الكدح" اليومي. ذلك انني احسب جهدي وأقسمه على جهد انثى تشاركني الحياة، فأجد نفسي ربحانا على اي حال.
كان المنطق السائد يقول ان الرجل والمرأة يعيشان وفق قاعدة ان ما قبل عتبة الدار تتولاه الزوجة، وما وراء العتبة يتولاه الرجل. ولاول وهلة يبدو اننا امام قسمة ضيزى كما يقال، فمسؤولية المرأة محدودة بين الحجرات والمطبخ، بينما على الرجل ان يخوض معاركه في طول الارض وعرضها، باحثا عن "الماء والكلأ" ليس عبر العمل بصبغ الاحذية او تقديم الشاي في المقهى او تحرير الاخبار وحسب، بل ان هذه المهمة العسيرة تطلبت منه ان يحارب الاباطرة والاكاسرة ويناطح الوزراء واصحاب الديوان، ويتعارك مع الاسود احيانا في عهد جدنا نياندرتال، وقد وصلت القضية بكريستوفر كولومبس ان يعبر البحار العمياء لاكتشاف ارض جديدة حين ضاقت الارض القديمة بأهلها ولم تعد تكفيهم.ومشكلتي ان هذه القاعدة تعرضت الى الخرق هذا الزمان، فقد فتحت عيني على أم تدبر المنزل وتعمل في الوقت نفسه، ساعات طويلة في تدريس الاولاد والبنات. تشارك الوالد في كدحه، وتكدح زيادة عليه لادارة شؤوننا. وزوجتي تشارك والدتي في هذه القاعدة، فهي تدبر المنزل على احسن وجه، وتنهمك في كتابة اطروحتها عن علم الانسجة الذي لا افهم منه شيئا، وتمضي ساعات طويلة في مختبر الجامعة او المستشفى، لتراجع نتائج ابحاثها مع الاساتذة والمرضى.لكن الفارق بين عائلة ابي وعائلتي، هو انا. فالوالد ظل حريصا على مشاركة زوجته كل المهام تقريبا. فهو يأخذ على عاتقه غسل جزء من الصحون، ويقوم بجزء اساسي من عملية التسوق، بينما لا تفارقه "السبانة" مصلحا هذا العطل ومتلافيا تلك المشكلة من خزان الماء حتى ازعج نقطة كهرباء.وهكذا فإن الرجل والمرأة داخل عائلتي الاولى، متعادلان تقريبا في الجهد والكدح والشراكة. اما انا فحالة ميؤوس منها. ليس من سبيل الى اقناعي بالمشاركة في اي عمل منزلي. تنهمك هي في تنظيف ادق الدقائق المنزلية، واتشاغل انا بتصفح الانترنت او مطالعة الكتب او اكتشاف العاب التسلية على الهاتف النقال. تتولى هي متابعة اكبر المهام مستدعية هذا الكهربائي وصارفة ذاك "السباك" ومستخرجة وثيقتي الدراسية وجواز سفري وعقد زواجنا وبطاقة السكن، لتتحمل عبء كل المراجعات لأسوأ دوائر حكومية في تاريخ الكون.. وانا منهمك بجدل عقيم حول السياسات وتاريخ الافكار والاديان، وكثير من الثرثرة غير المجدية حول كل شيء.احسدها على ايمانها بالوجود في هذا التاريخ المتعسف، وعلى حبها لكل ما تقوم به من عمل مثابر. احسدها بشدة على اتقانها للعمل في مختبرات المستشفى، ورعاية المرضى، ورعاية المنزل والقطط اللواتي تجمعن في الحديقة طلبا للطعام... وقدرتها على ان تواصل رعايتي انا "اخطر مرضاها" حيث شخصت في وقت مبكر ان لا دواء لحالتي ولا علاج لكسلي ولا أباليتي وعدميتي الرهيبة.اشارك الاصدقاء هذه الافكار فأجد ان هذا هو حال معظمهم. نموذج ابي، المحب للعائلة والمشارك في كل المسؤوليات، يظل نادرا في عالمنا. اما نموذجي انا السلبي داخل محيط العائلة، فهو شائع يتفاخر بالاهمال ويزهو بأنه ينسى كثيرا ويعمل قليلا. نقنع انفسنا بأننا نبتكر افكارا مهمة، ونخلق ابداعات نادرة..الخ، بينما نحن من وجهة نظر اخرى، عبء متكامل على سيداتنا.ما هو الحل؟ لا ادري، لان الامر لو ترك إلي لقمت بتحويل منزلي الى نسخة اخرى من مهجعي ايام العزوبية والتي امتدت نحو عشرة اعوام. كنت اقوم بتنظيم الاوراق والكتب، وأهمل ما عداها الى النهاية تقريبا، وزوجتي لن ترضى بهذا الحل حتى لو اضطرت الى العمل أربعاً وعشرين ساعة.اداري مشاعرها بإعادة تأكيد انني "زوج حديث" يؤمن بحرية المرأة، وامتلاكها خيارات كتلك التي تتاح للرجل. اردد هذا وأشعر بوخز الضمير مع عجز عن تغيير معادلة المهام غير العادلة.وحين اراقب النساء وهن يقمن بإدارة الامور، ورعايتنا نحن "اخطر المرضى"، يخطر في البال شعر للايراني سهراب سبهري وهو يدعو الى منح الانثى مفاتيح العالم: جاي مردان سياست بنشانيد درخت.. تا هوا تازة شود، اي "بدلا عن رجال السياسة.. اغرسوا الاشجار والنساء، لنحصل على هواء نقي غير ملوث (تازة)". هل سيكون هذا نموذجا لتغيير سياسي بعد مائة عام مثلا، كي تدبر السيدات شؤون مجتمعاتنا بعيدا عن حفنة فاشلين يدمرون عشر مدن في بضعة دقائق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram